للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبحثرته: إذا هدمته، وجعلت أسفله أعلاه. وقال قوم منهم الفراء: {بُعْثِرَتْ} أخرجت ما في بطنها من الذهب والفضة، وإن من أشراط الساعة أن تخرج الأرض ذهبها، وفضتها. قال تعالى في سورة (الزلزلة): {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها}. {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ:} مثل قوله تعالى في سورة (القيامة): {يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ} وانظر سورة (التكوير) رقم [١٤]. هذا؛ وتنكير {نَفْسٌ} يفيد التكثير. وانظر سورة (العاديات) رقم [٩].

هذا؛ وقال الجمل نقلا عن الرازي: واعلم: أن المراد من هذه الآيات: أنه إذا وقعت هذه الأشياء؛ التي هي أشراط الساعة، فهناك يحصل الحشر، والنشر، وهي هاهنا أربعة: اثنان منها يتعلقان بالعلويات، واثنان يتعلقان بالسفليات. والمراد بهذه الآيات بيان تخريب العالم، وفناء الدنيا، وانقطاع التكاليف. والسماء كالسقف، والأرض كالبناء، ومن أراد تخريب دار؛ فإنه يبدأ أولا بتخريب السقف، ثم يلزم من تخريب السماء انتثار الكواكب، ثم بعد تخريب السماء، والكواكب يخرب كل ما على وجه الأرض من البحار، ثم بعد ذلك تخرب الأرض؛ التي فيها الأموات، وأشار لذلك بقوله: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} ثم إن قوله: {ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} يقتضي فعلا، وتركا، فإن كان قد قدم الكبائر، وأخر العمل الصالح؛ فمأواه النار، وإن كان قد قدم العمل الصالح، وأخر الكبائر؛ فمأواه الجنة، فيحصل العلم الإجمالي في أول زمان الحشر؛ لأن المطيع يرى آثار السعادة في أول الأمر، وأما العلم التفصيلي؛ فلا يحصل إلا عند قراءة الكتب، والمحاسبة. انتهى.

هذا؛ وتفسيره-رحمه الله تعالى-: {ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} بما تقدم، قد يكون غير واف بالغرض، والأحسن، والأولى هو ما ذكرته في تفسير، وشرح قوله تعالى في سورة (القيامة) رقم [١٣]: {يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ} انظره فإنه جيد. هذا؛ ولا تنس الطباق بين (قدمت) و (أخرت)، وكذلك السجع المرصّع، وهو ما تراه في الآيات مختومة بتاء التأنيث الساكنة، وهو من المحسنات البديعية، وهو ناتج من توافق الفواصل رعاية لرؤوس الآيات، ومثل ذلك سورة (التكوير) كلها.

الإعراب: {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ..}. إلخ: مثل قوله تعالى في سورة (التكوير): {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ..}. إلخ بلا فارق. {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} إعراب هذه الكلمات مثل إعراب قوله تعالى في سورة (التكوير): {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ} جملا، وإفرادا بلا فارق بينهما، فلا حاجة إلى إعراب هذه الآيات هنا، والله الموفق، والمعين، وبه أستعين.

{يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} أي: ما خدعك، وسوّل لك الباطل؛ حتى صنعت ما صنعت، وضيعت ما أوجب الله عليك؟! والمعنى: ما الذي أمنك من عقابه؟ قيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>