للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستأنفة لا محل لها. ({اللهُ}) مبتدأ. {رَؤُفٌ} خبره. {بِالْعِبادِ:} متعلقان به، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من لفظ الجلالة؛ فلست مفندا.

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١)}

الشرح: {قُلْ:} الخطاب لسيد الخلق، وحبيب الحقّ محمد صلّى الله عليه وسلّم. {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ:}

المحبة: ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه، بحيث يحملها على ما يقربها إليه، والعبد إذا علم: أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله، عز وجل، وأنّ كل ما يراه كمالا من نفسه، أو من غيره؛ فهو من الله، وبالله، وإلى الله؛ لم يكن حبه إلا لله، وفي الله، وذلك يقتضي إرادة طاعته، والرغبة فيما يقربه إليه، فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة، وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والحرص على مطاوعته. انتهى بيضاوي.

لذا فهذه الآية حاكمة على كل من ادعى المحبّة لله؛ وليس هو على الطريقة المستقيمة؛ التي أمر الله بها، وحثّ عليها الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله، وفعله، فهو كاذب في دعواه، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا؛ فهو ردّ». ورحم الله من يقول: [الكامل]

تعصي الإله وأنت تظهر حبّه... هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبّك صادقا لأطعته... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع

ومن دعائه صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم ارزقني حبّك، وحبّ من أحبّك، وحبّ ما يقربني إلى حبّك، واجعل حبّك أحبّ إليّ من الماء البارد». لذا فدليل حبّ الله امتثال أمره، واجتناب نهيه. ودليل محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم الاقتداء به، والأخذ بتعاليمه، والسير على سنته، وطريقته. {يُحْبِبْكُمُ اللهُ} أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم لله، وهو محبّته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء، والحكماء: ليس الشأن أن تحبّ. ومعنى محبة الله للعبد: رضاه عنه، وغفر ذنوبه، وستر عيوبه. ومعنى بغضه للعبد: طرده من رحمته، وإبعاده من جنته. وأظهر لفظ الجلالة في مقام الإضمار في الثاني لزيادة التفخيم، والتعظيم. وخذ ما يلي:

عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله إذا أحبّ عبدا؛ دعا جبريل، فقال: إنّي أحبّ فلانا، فأحبّه. قال: فيحبّه جبريل، ثمّ ينادي في السّماء: إنّ الله يحبّ فلانا، فأحبّوه، فيحبّه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا؛ دعا جبريل، عليه السّلام، فيقول: إنّي أبغض فلانا، فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في

<<  <  ج: ص:  >  >>