للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)}

الشرح: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي: لا تتبع ما لا تعلم، ولا يعنيك. قال قتادة- رحمه الله تعالى-: لا تقل: رأيت؛ وأنت لم تر، وسمعت؛ وأنت لم تسمع، وعلمت؛ وأنت لم تعلم. وأصل (القفو): البهت، والقذف بالباطل، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمّنا، ولا ننتفي من أبينا». أي: لا نسبّ أمنا. وقال الكميت: [الوافر]

فلا أرمي البريء بغير ذنب... ولا أقفو الحواصن إن قفينا

وبالجملة فهذه الآية تنهى عن قول الزور، والقذف، وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة، والرديئة.

فعن شكل بن حميد-رضي الله عنه-قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا نبي الله علمني تعويذا أتعوذ به. قال: فأخذ بيدي، ثم قال: قل: «أعوذ بك من شرّ سمعي، وشرّ بصري، وشرّ فؤادي، وشرّ لساني، وشرّ قلبي، وشرّ منيّي». قال: فحفظتها. أخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي. وقال: حديث حسن غريب. ولا تنس: أن النهي موجه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، والمراد: به أمته بلا شك.

{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً} أي: كل هذه الأعضاء تسأل يوم القيامة، فالفؤاد يسأل عما افتكر فيه، واعتقده، والسمع عما سمع، والبصر عما رأى. وقيل: يسأل الإنسان عما حواه سمعه، وبصره، وفؤاده، والأول: أبلغ في الحجة، وأشد في التقريع، والخزي، والذل. قال تعالى: {حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ}. هذا؛ وقد جمع سبحانه وتعالى هذه الأعضاء بأولئك، وهو يغلب في العقلاء، فأجريت مجراهم؛ لأنها مسئولة عن أحوالها، شاهدة على صاحبها، وحكى الزجاج: أن العرب تعبر عما يعقل، وعما لا يعقل ب‍: «أولئك»، وأنشد هو والطبري قول جرير: [الكامل]

ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى... والعيش بعد أولئك الأيام

الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): ناهية. {تَقْفُ:} مضارع مجزوم بلا، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الواو، والضمة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره: «أنت». {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {لَيْسَ:} ماض ناقص. {لَكَ:} متعلقان بمحذوف خبر ليس مقدم. {بِهِ:} متعلقان بمحذوف حال من علم. {عِلْمٌ:} اسم ليس مؤخر، وجملة: {لَيْسَ..}. إلخ صلة (ما)، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>