للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالباء، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل جر بإضافة: {أَنْبؤُا} إليه، التقدير: أنباء استهزائهم، وجملة: (سيأتيهم...) إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.

{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧)}

الشرح: {أَوَلَمْ:} انظر الآية رقم [٣٠] من سورة (الأنبياء). {يَرَوْا} أي: الكفار، ينظروا {إِلَى الْأَرْضِ} وما فيها من العجائب، والغرائب. {كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ..}. إلخ: نبه على عظمته، وقدرته، وأنهم لو رأوا بقلوبهم، ونظروا ببصائرهم؛ لعلموا: أن الله تعالى هو الذي يستحق العبادة وحده؛ إذ هو القادر على كل شيء، والخالق لكل شيء، والمحيط علمه بكل شيء، و (الزوج) المراد به هنا: الجنس، والنوع، والصنف الحسن من النبات، مما يأكل الناس والأنعام.

هذا؛ وقال الشعبي: الناس من نبات الأرض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم، وفائدة الجمع بين كلمتي الكثرة، والإحاطة: أن كلمة «كل» تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل، و «كم» تدل على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة. وانظر شرح {تَنْبُتُ} في الآية رقم [٢٠] من سورة (المؤمنون)، وانظر شرح: {كَرِيمٍ} في الآية رقم [٥٨] الآتية.

وهنا أذكر: أنه تعالى وصف النبات ب‍: {كَرِيمٍ} لأحد أمرين: الأول: أن النبات نوعان:

نافع، وضار، فدل بكلمة {كَرِيمٍ} على أن المراد النوع النافع، وخلّى ذكر الضار. والثاني: أن المراد: النافع والضار من النبات، ووصفهما ب‍: {كَرِيمٍ} تنبيها على أنه ما خلق شيئا إلا لحكمة، وربما خفيت أسرارها على ابن آدم، ولكنه تعالى عالم بما يجهل العبد الفقير.

وأما (نا) في قوله تعالى {أَنْبَتْنا} فقد قال ابن تيمية-رحمه الله تعالى-في كتابه: (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح): وقوله تعالى: {جَعَلْنَا،} {وَهَبْنا،} {نَحْنُ،} {إِنّا} لفظ يقع في جميع اللغات على من كان له شركاء، وأمثال، وعلى الواحد العظيم المطاع؛ الذي له أعوان يطيعونه، وإن لم يكونوا له شركاء، ولا نظراء، والله تعالى خلق كل ما سواه، فيمتنع أن يكون له شريك، أو مثل، والملائكة وسائر العالمين جنوده، فإذا كان الواحد من الملوك، يقول: فعلنا، وإنا، ونحن... إلخ، ولا يريدون: أنهم ثلاثة ملوك، فمالك الملك رب العالمين، ورب كل شيء، ومليكه هو أحق أن يقول: فعلنا، ونحن، وإنا... إلخ، مع أنه ليس له شريك، ولا مثل، بل له جنود السموات، والأرض. انتهى.

أقول: و (نا) هذه تسمى نون العظمة، وليست دالة على الجماعة، كما يزعم الملحدون، والكافرون، فالله لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكثيرا ما يتكلم بها العبد، فيقول: أخذنا، وأعطينا... إلخ، وليس معه أحد، والغاية من هذا الكلام الرد على النصارى الذين يدخلون الشبهة على السذج من المسلمين بأن الإله ثلاثة أقانيم: الأب، والابن،

<<  <  ج: ص:  >  >>