للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ (١٩)}

الشرح: {فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها} أي: تعجبا من حذرها، وتحذيرها، واهتدائها إلى مصالحها، أو سرورا بما خصه الله به من إدراك همسها، وفهم غرضها. هذا؛ وقوله تعالى {فَتَبَسَّمَ} يشير إلى أنه لم يقهقه في ضحكه، وكذلك جل ضحك الأنبياء التبسم، وما روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه، فالغرض منه المبالغة في وصف ما وجد منه من الضحك النبوي، لا القهقهة، وكذلك ورد النهي عن كثرة الضحك، وقد كره العلماء منه الكثرة، كما قال لقمان لا بنه: (يا بني! إياك وكثرة الضحك؛ فإنه يميت القلب)،

فعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: (ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا قطّ ضحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم). متفق عليه، وعن عبد الله بن الحارث بن جزء، قال: (ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله). أخرجه الترمذي.

وقيل: إن سبب ضحك سليمان-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-شيئان:

أحدهما: ما دل من قولها على ظهور رحمته، ورحمة جنوده، وشفقتهم، وذلك من قولها: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}. الثاني: سروره بما آتاه الله مما لم يؤت أحدا من إدراك فهم ما تقوله النملة، وغيرها؛ والإنسان إذا رأى، أو سمع ما لا عهد له به ضحك.

{وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} أي: ألهمني، وأصله من: وزع، فكأنه قال: كفّني عما يسخط، ووفقني لما يرضي. {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ:} ما أنعم الله به عليه وعلى والديه فقد سطره القرآن الكريم من تسبيح الجبال مع داود، وإلانة الحديد له، وإتيانه الملك، وتسخير الجن، والإنس، والطير لسليمان، وإتيانه ما لم يؤته الله أحدا من العالمين قبله، وبعده إلى يوم الدين. وقد أدرج في كلامه ذكر والديه تكثيرا للنعمة، أو تعميما لها، فإن النعمة عليهما نعمة عليه، والنعمة عليه يرجع نفعها إليهما سيما الدينية، فإنه إن كان تقيا نفعهما بدعائه، وشفاعته، وبدعاء المؤمنين كلما دعوا له، وقالوا: رضي الله عنك، وعن والديك. وهذا سمعته بإذني، ووقر في قلبي، والحمد لله رب العالمين، ولذلك دعا العبد الصالح في الآية رقم [١٥] من سورة (الأحقاف) بمثل ما دعا سليمان هنا، وزاد قوله: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} وهذا بخلاف الفاسق، والمؤذي لعباد الله الذي يسبب المسبة، والمذمة لنفسه، ولوالديه، وما أكثرهم في هذا الزمن!

{وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ} أي: مع عبادك ف‍: {فِي} بمعنى: مع، وقيل: المعنى في جملة: {عِبادِكَ الصّالِحِينَ}. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد مع إبراهيم،

<<  <  ج: ص:  >  >>