{بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} انظر شرحها هناك، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذرّ الغفاري-رضي الله عنه-: «يا أبا ذرّ تعوّذ بالله من شياطين الإنس والجنّ». قال: أو للإنس شياطين؟ قال: «نعم». ولا تنس أنّ لكلّ واحد من بني آدم شيطانا بدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة-رضي الله عنها-، وقد رآها غضبى: «أجاءك شيطانك؟» قالت: أولي شيطان؟ قال: «نعم؛ ما من أحد إلاّ وله شيطان» قالت:
وأنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا؛ إلاّ أنّني أعانني الله عليه فأسلم، فلا يأمر إلاّ بخير». يروى بضم الميم وفتحها. هذا والشيطان: واحد الشياطين، مأخوذ من: شطن: إذا بعد، والنّون أصلية، فهو مصروف على هذا، وسمّي الشّيطان شيطانا لبعده عن الحقّ، وتمرّده عليه، قال جرير: [البسيط]
أيّام يدعونني الشّيطان من غزل... وهنّ يهوينني إذ كنت شيطانا
وقيل: مأخوذ من شاط: إذا احترق، وشاط: بطل، فالنون زائدة، وعليه فهو غير مصروف، و «شطن» من باب: قعد، و «شاط» من باب: ضرب. هذا؛ واشتاط الرّجل: إذا احتد غضبا، واشتاط: إذا هلك، قال الأعشى في معلقته رقم [٦٤]: [البسيط]
قد نخضب العير في مكنون فائله... وقد يشيط على أرماحنا البطل
ويقوي الاعتبار الأول، ويضعف الثاني: أنّ سيبويه-رحمه الله تعالى-حكى: أنّ العرب تقول: تشيطن فلان: إذا فعل أفعال الشياطين، فهذا بيّن أنه تفيعل من: شطن، ولو كان من شاط؛ لقالوا: تشيّط.
الإعراب: {الشَّيْطانُ:} مبتدأ. {يَعِدُكُمُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {الشَّيْطانُ،} والكاف مفعول به أول. {الْفَقْرَ:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة لا محل لها على الاعتبارين. {وَيَأْمُرُكُمْ:} الواو: حرف عطف. ({يَأْمُرُكُمْ}): فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {الشَّيْطانُ،} والكاف مفعول به.
{بِالْفَحْشاءِ:} متعلقان به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها، والجملة الاسمية: ({اللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً}): معطوفة على سابقتها، وإعرابها مثلها بلا فارق. {مِنْهُ:}
جار ومجرور متعلقان ب {مَغْفِرَةً}. {وَفَضْلاً:} معطوف على {مَغْفِرَةً،} وقد حذف متعلقه لدلالة ما قبله عليه، والجملة الاسمية: {وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} معطوفة على ما قبلها، أو مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين.
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)}
الشرح: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ:} قال ابن عباس-رضي الله عنها-: يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله، وقال مجاهد