{وَبُكِيًّا:} معطوف عليه وقيل: هو مصدر، وليس جمع باك، التقدير: خروا سجدا، وبكوا بكيا، وقرئ «(بكيا)» بكسر الباء مثل {عِتِيًّا} في الآية رقم [٨]، وجملة: {خَرُّوا..}. إلخ جواب {إِذا} لا محل لها، و {إِذا} ومدخولها في محل رفع خبر {أُولئِكَ} على اعتبار الموصول بدلا... إلخ، ومستأنف على اعتبار الموصول خبر المبتدأ. تأمل، وتدبر.
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاِتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)}
الشرح: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ:} فجاء من بعد هؤلاء القوم الكرام، والنبيين العظام أولاد سوء. هذا؛ و {فَخَلَفَ} بسكون اللام يستعمل في الشر، والذم كما هنا، ويستعمل بفتح اللام في الخير والمدح، فيقال: خلف صدق وخلف سوء، واختلف في المراد هنا، فقيل: هم اليهود، والنصارى الذين حرفوا، وزيفوا شرائع الأنبياء، بل وقتلوا كثيرا منهم، وأهملوا عبادة الله من صلاة وغيرها. وقيل: هم في هذه الأمة، ولا ريب بأن كل من لم يسر على طريقة آبائه الصالحين، فهو خلف سوء.
هذا؛ والخلف: القرن، أو الجيل الذي يأتي بعد ما قبله. قال تعالى في الآية رقم [١٦٩] من سورة (الأعراف): {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ..}. إلخ وقال البيضاوي: {فَخَلَفَ} مصدر نعت به، ولذلك يقع على الواحد، وعلى الجمع. هذا؛ وخذ قول لبيد-رضي الله عنه-: [الكامل]
ذهب الذين يعاش في أكنافهم... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله». وقد يتعاوضان فيستعمل مفتوح اللام في الشر، ويستعمل ساكن اللام في الخير. قال حسان بن ثابت-رضي الله عنه-مستعملا ساكن اللام في الخير يخاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم: [الطويل]
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا... لأوّلنا في طاعة الله تابع
وقال آخر مستعملا مفتوح اللام في الشر: [الرجز]
إنّا وجدنا خلفا بئس الخلف... أغلق عنّا بابه ثمّ حلف
لا يدخل البوّاب إلاّ من عرف... عبدا إذا ما ناء بالحمل وقف
هذا؛ وقال اللحياني: الخلف-بفتحتين-: الولد الصالح. والخلف-بفتح فسكون-: الولد الرديء.
{أَضاعُوا الصَّلاةَ:} جحدوها، أو أهملوها، أو أخروها عن وقتها، أو صلّوها غير صحيحة بإهمال شيء من شروطها، وأركانها، وواجباتها، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم للرجل المسيء صلاته:
«ارجع فصل، فإنك لم تصل، ثلاث مرات». أخرجه مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-. قال