للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥)}

الشرح: {فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: ففي هذا اليوم العصيب، لا يقبل منكم بدل، ولا فداء، ولا عوض يا معشر المنافقين، ولا من الكافرين. ولم يؤنث الفعل {يُؤْخَذُ} لأن (فدية) مؤنث غير حقيقي، ولأنه قد فصل بينها، وبين الفعل بفاصل، وإنما عطف الكفار على المنافقين، وإن كان المنافق كافرا في الحقيقة؛ لأن المنافق أبطن الكفر، والكافر أظهره، فصار غير المنافق، فحسن عطفه على المنافق، وقدم المنافقين على الكافرين في هذه الاية وفي الاية الأخيرة من سورة (الأحزاب) وفي سورة (الفتح) رقم [٦]؛ لأن المنافقين كانوا أشد على المؤمنين من المشركين؛ لأن الكافر يمكن الاحتراز منه، ويجاهد؛ لأنه عدو مبين، والمنافق لا يمكن أن يحترز منه، ولا يجاهد، فكان شره أكثر من شر المشرك، فكان أحق بالتقديم على المشرك. جاء في الحديث: «إن الله تعالى يقول للكافر: أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا، أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار؟ فيقول: نعم يا ربّ، فيقول الله تبارك وتعالى: قد سألتك ما هو أيسر عليك من ذلك، وأنت في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي، فأبيت إلاّ الشّرك». وهذا الحديث ذكرته لك في سورة (آل عمران) برقم [٩١] مع اختلاف في بعض ألفاظه، وخرجه هناك الإمام مسلم عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-.

{مَأْواكُمُ النّارُ:} مقركم، ومصيركم. {هِيَ مَوْلاكُمْ:} وهي أولى بكم، لما أسلفتم من الكفر، والنفاق واجتراح السيئات. والمعنى: هي التي تلي أمركم؛ لأنها استولت عليكم، فلا محيص لكم عنها، ولا مخرج لكم منها. هذا؛ ولفظ (المولى) يطلق في الأصل على الإله المعبود بحق، ومن أسماء الله الحسنى: المولى، ويطلق على العبد، والسيد، والأمير، وابن العم، والحليف، والنصير، والمعين، والناصر. قال تعالى في آخر سورة (الحج) الاية رقم [٧٨]: {فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} وقال تعالى في سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم) رقم [١١]: {ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ}.

كما يطلق على مولى العتاقة، والمحالفة، وكل منهما لا يكون متصل النسب في القبيلة، ولكنه لصيق بها. والموالي في نظر العرب من الخسة، والضعة بحيث لا يرونهم في مصافهم.

{وَبِئْسَ الْمَصِيرُ:} بئس المقر، والمال نار جهنم لمن دخلها، وانظر الاية رقم [٤٨] من سورة (الذاريات).

الإعراب: {فَالْيَوْمَ:} (الفاء): حرف عطف، أو حرف استئناف. وقيل: الفصيحة، ولا وجه له. (اليوم): ظرف زمان متعلق بما بعده. {لا:} نافية. {يُؤْخَذُ:} فعل مضارع مبني للمجهول،

<<  <  ج: ص:  >  >>