للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦)}

الشرح: {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} أي: أعني: هذا القرآن تنزيل العزيز الرحيم، أو هو مفعول مطلق لفعل محذوف، التقدير: نزل تنزيل، ويقرأ بالرفع، فيكون المعنى: القرآن الكريم الموجود بين أيدينا، المتلو بألسنتنا، المحفوظ في صدورنا تنزيل العزيز الرحيم، كما يقرأ بالجر على البدلية من القرآن. {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ} المراد: كفار قريش، وغيرهم، والمراد بآبائهم: الأقربون لا الأبعدون، فإنهم قد أنذروا، فآباء العرب الأقدمون أنذروا بإسماعيل عليه السّلام، وآباء غيرهم الأقدمون قد أنذروا بعيسى، ومن قبله. هذا؛ وفي: {قَوْماً} اختلف المفسرون، فأكثرهم ومنهم قتادة يقولون: إنها نافية. وعليه فالمعنى: لم يأت آباءهم نذير. وقال ابن عباس، وعكرمة، وقتادة أيضا: هي بمعنى: «الذي» وعليه فالمعنى: لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم. وقيل: إن {قَوْماً} مصدرية، والمعنى: لتنذر قوما إنذار آباءهم، ثم يجوز أن تكون العرب قد بلغتهم بالتواتر أخبار الأنبياء.

فالمعنى يكون: لم ينذروا برسول من أنفسهم، ويجوز أن يكون بلغهم الخبر، ولكن غفلوا، وأعرضوا، ونسوا. ويجوز أن يكون هذا خطابا لقوم لم يبلغهم خبر نبي، وقد قال تعالى في الآية رقم [٤٤] من سورة (سبأ): {وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}. وقال تعالى في الآية رقم [٣] من سورة (السجدة): {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي: لم يأتهم نذير. وعلى قول من قال: بلغهم خبر الأنبياء، فالمعنى فهم معرضون الآن متغافلون عن ذلك. ويقال للمعرض عن الشيء: إنه متغافل عنه. وقيل المعنى: فهم غافلون عن عقاب الله، وانتقامه. انتهى. قرطبي بتصرف. والزمخشري بمعناه.

الإعراب: {لِتُنْذِرَ:} فعل مضارع منصوب ب‍: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل مستتر، تقديره: «أنت»، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالمصدر: {تَنْزِيلَ،} أو بمعنى (من المرسلين)، أي: أنت مرسل للإنذار. {قَوْماً:} مفعول به. {قَوْماً:} نافية. {أُنْذِرَ:} فعل ماض مبني للمجهول.

{آباؤُهُمْ:} نائب فاعله، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل نصب صفة {قَوْماً،} وعلى اعتبار {قَوْماً} موصولة، أو نكرة موصوفة، وهو أجود، فالجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، وتكون {قَوْماً} بدلا من: {قَوْماً،} ولا يصح أن تكون صفة له؛ لأنه نكرة، وهي معرفة، وعلى اعتبار {قَوْماً} مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل نصب مفعول مطلق، التقدير: لتنذر قوما إنذارا مثل إنذار آبائهم. {فَهُمْ:} الفاء: حرف عطف.

(هم): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {غافِلُونَ:} خبره مرفوع... إلخ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة: {ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ} على اعتبار (ما) نافية، وعلى الاعتبارين الآخرين فالجملة الاسمية معطوفة على الجملة: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}. وقيل: هي تعليلية،

<<  <  ج: ص:  >  >>