الشرح:{لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ} أي: مال الفيء للفقراء المهاجرين؛ الذين تركوا الديار، والأموال، والأوطان حبا لله، ولرسوله، ونصرة لدين الله، أخرجهم الكفار مما ذكر؛ بسبب إيذائهم لهم، ومضايقتهم؛ حتى إن الرجل منهم كان يعصب الحجر على بطنه؛ ليقيم به صلبه من الجوع. {يَبْتَغُونَ:} يطلبون. {فَضْلاً مِنَ اللهِ:} رزقا: غنيمة، وغيرها في الدنيا. {وَرِضْواناً:}
ثوابا في الاخرة مقرونا برضا الله. {وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ:} ببذل أرواحهم، وأموالهم في سبيل الله. {أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ:} في إيمانهم، وقولهم، وفعلهم، ونياتهم.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنّة بأربعين خريفا». خرجه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشروا صعاليك المهاجرين بالنور التّامّ يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذلك خمسمئة سنة!». أخرجه أبو داود. وهذا في حق فقراء المهاجرين، وهو غير قاصر عليهم بل هو يشمل فقراء المسلمين إلى يوم القيامة. وخذ ما يلي:
فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا». فقيل: صفهم لنا. قال:«الدّنسة ثيابهم، الشّعثة رؤوسهم، الذين لا يؤذن لهم على السّدات، ولا ينكحون المنعمات، يوكّل بهم مشارق الأرض، ومغاربها، يعطون كلّ الذي عليهم، ولا يعطون كلّ الذي لهم». رواه الطبراني في الكبير، والأوسط، ومعنى يوكل بهم: نفوسهم خاضعة لله خاشعة، فانية في ذكره.
وينبغي أن تعلم: أن المراد بالفقراء: الصابرون منهم، المؤدون ما أوجب الله، المنتهون عما نهى الله عنه، وأما إذا كان الفقير مهملا ما أوجب الله، ورسوله عليه، وهو كذاب منافق، وهم الكثيرون في هذه الأيام؛ فمأواهم جهنم، وبئس المصير، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«وإنّ أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا، وعذاب الاخرة». أخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-وأن المراد بالأغنياء: الشاكرون منهم، وهم الذين يكسبون المال من حلال، وينفقونه في حلال، ويؤدون زكاته على الوجه الأكمل، ويمتثلون أوامر الله في كل ما أمر به، وكل ما نهى عنه.
(الفقراء): جمع فقير، وأصله: الذي انكسر فقار ظهره، ثم أطلق على المعدم؛ الذي لا يجد حاجته من المال؛ لأنه يشبه الذي انبتّ ظهره، وعدم الحول، والقوة، وهو أسوأ حالا من