للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معطوفة على جملة جواب القسم. وقال الجمل: وجوز بعضهم الحالية، وهي أظهر في المعنى.

وقال الجلال: مستأنفة، وأرى صحة عطفها على جواب القسم؛ ولا سيما إذا كان المعنى: لا يتركون شيئا للمساكين. تأمل، وتدبر.

{فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠)}

الشرح: {فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ} أي: نزل عليها عذاب {مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ،} ولا يكون الطائف إلا في الليل. قاله الفراء، وقال به الخازن. ورد بقوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٢٠١]: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} والطائف في الشر. {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} أي: فأصبحت جنتهم محترقة سوداء كالليل المظلم، كما في قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٤٢]: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ..}. إلخ. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-:

كالرماد الأسود، قال: الصريم الرماد الأسود بالغة خزيمة. قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-:

أي: أصبحت كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء. فعيل بمعنى مفعول، أو كالليل باحتراقها واسودادها، أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس، سميا بالصريم؛ لأن كلا منهما ينصرم عن صاحبه، وهذا يعني: أن الصريم من الأضداد يقع على الأسود، والأبيض، وانظر الأضداد في سورة (التكوير) إن شاء الله تعالى.

فعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك والمعاصي! إنّ العبد ليذنب الذنب، فيحرم به رزقا، قد كان هيّئ له». ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} أخرجه ابن أبي حاتم. انتهى. مختصر ابن كثير.

وفي هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان؛ لأنهم عزموا على أن يفعلوا، فعوقبوا قبل فعلهم، ونظيره قوله تعالى في سورة (الحج) رقم [٢٥]: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ،} وعن أبي بكر-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:

«إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار». قلت: يا رسول الله! هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟! قال: «إنّه كان حريصا على قتل صاحبه». رواه البخاري، وهذا محمول على العزم المصمم، أما ما يخطر بالبال من غير عزم؛ فلا يؤاخذ به. انتهى. قرطبي. انظر ما ذكرته في سورة (البقرة) رقم [٢٨٣] وخذ قول الفرزدق: [الطويل]

ولست بمأخوذ بلغو تقوله... إذا لم تعمّد عاقدات العزائم

الإعراب: {فَطافَ:} (الفاء): حرف عطف. (طاف): فعل ماض. {عَلَيْها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {طائِفٌ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {مِنْ رَبِّكَ:} متعلقان ب‍: {طائِفٌ،} أو بمحذوف صفة له، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل

<<  <  ج: ص:  >  >>