فائدة:
هناك مداراة، ومداهنة، فالمداراة: التلطف بالإنسان لتستخرج منه الحق، أو ترده عن الباطل. والمداهنة: التلطف به لتقره على باطله، وتتركه على هواه. فالمدارة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق. وخذ قول زهير من معلقته رقم [٥٥]: [الطويل]
ومن لا يصانع في أمور كثيرة... يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم
وخذ هذين البيتين، وتأمل ما فيهما من الجناس التام: [السريع]
إذا رماك الدهر في معشر... قد أجمع الناس على بغضهم
فدارهم ما دمت في دارهم... وأرضهم ما دمت في أرضهم
الإعراب: {فَلا:} (الفاء): هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ربك عالما بأحوال الناس من ضال، ومهتد؛ فلا تطع. ولذا قال الجمل: الفاء لترتيب النهي على ما ينبئ عنه ما قبله من اهتدائه صلّى الله عليه وسلّم وضلالهم، أو على جميع ما فصل من أول السورة. انتهى.
(لا): ناهية جازمة. {تُطِعِ:} فعل مضارع مجزوم ب: (لا)، والفاعل ضمير مستتر تقديره: «أنت».
{الْمُكَذِّبِينَ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب الشرط المقدر ب: «إذا»، وكذا إن اعتبرتها مستأنفة. {وَدُّوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {لَوْ:} حرف مصدري. {تُدْهِنُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:
«أنت»، و (لو) والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به، التقدير: ودوا مداهنتك. والجملة الفعلية تعليل للنهي، لا محل لها. {فَيُدْهِنُونَ:} (الفاء): حرف عطف.
(يدهنون): فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: فهم مدهنون، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل الجواب للتمني، وإن اعتبرت الفعل وحده معطوفا على ما قبله؛ فيكون داخلا في حيّز {لَوْ}.
{وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣)}
الشرح: المشهور: أن الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة، الذي كان يسمى: ريحانة قريش، وهو أحد الرجلين اللذين قيل فيهما في سورة (الزخرف) قوله تعالى: {وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وفيه نزل قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً} الآيات من سورة (المدثر). وقيل: المراد به هنا: الأخنس بن شريق. وقيل: المراد به: الأسود بن عبد يغوث. والمعتمد الأول، فقد وصفه الله بعشر صفات قبيحة، كما ستقف عليه.