{تَبارَكَ:} ماض. {اللهُ:} فاعله. {رَبُّ:} صفة، أو بدل منه، و {رَبُّ:} مضاف، و {الْعالَمِينَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. ولا تنس: أن الإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية:{تَبارَكَ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها؛ إذ هي بمنزلة التذييل للكلام السابق المراد منها تمجيد الله، وتقديسه. جل جلاله، وتعالى شأنه.
{اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)}
الشرح:{اُدْعُوا رَبَّكُمْ:} قيل: معناه: اعبدوه. والأصح: أنه بمعنى السؤال، والدعاء، والطلب، وهو نوع من العبادة، بل هو مخ العبادة، كما ورد عن الرسول المعظم صلّى الله عليه وسلّم، وذلك لأن الداعي لا يقدم على الدعاء. إلا إذا عرف من نفسه الحاجة إلى ذلك المطلوب، وهو عاجز عن تحصيله، وعرف: أن ربه تبارك، وتعالى يسمع الدعاء، ويعلم حاجته، وهو قادر على إيصالها إلى الداعي، فعند ذلك يعرف نفسه بالعجز، والنقص، ويعرف ربه بالقدرة، والكمال.
{رَبَّكُمْ:} انظر الآية رقم [٢]. {تَضَرُّعاً:} تذللا، واستكانة، خشوعا، وخضوعا. {وَخُفْيَةً} أي: سرّا في أنفسكم، وهو أفضل من الجهر في الدعاء؛ لأنه دليل الإخلاص، اسمع قوله تعالى في مدح زكريا-عليه السّلام-: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا}.
فعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«أيّها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمّا، ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا بصيرا، وهو معكم، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته». قال أبو موسى-رضي الله عنه-: وأنا خلفه أقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم» في نفسي.
فقال:«يا عبد الله بن قيس، ألا أدلّك على كنز من كنوز الجنّة، قلت: بلى يا رسول الله! قال:
لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم». متفق عليه. هذا؛ وقد قرئ: «(خفية)» بضم الخاء، وكسرها. والمعنى يتغير كما هو واضح؛ إذ معنى الأول: السر، والخفاء، ومعنى الثاني: الخوف، والوجل. {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ:} المجاوزين ما أمروا به في الدعاء، وغيره. نبه به على أن الداعي لا ينبغي له أن يطلب ما لا يليق به، كرتبة الأنبياء، والصعود إلى السماء. وقيل: هو الصياح في الدعاء، والإسهاب فيه. وما أحراك أن تنظر الآية رقم [١٨٦] من سورة (البقرة).
فعن النبي صلّى الله عليه وسلّم:«سيكون قوم يعتدون في الدّعاء، وحسب المرء أن يقول: اللهمّ إنّي أسألك الجنّة، وما قرّب إليها من قول، وعمل، وأعوذ بك من النّار، وما قرّب إليها من قول وعمل».
انتهى بيضاوي. وانظر الآية رقم [١٨٠]. هذا؛ وعدم محبة الله للمعتدين كناية عن البغض، والسخط، والغضب، ومحبته للعبد: رضاه عنه، وغفر ذنوبه، وستر عيوبه. وانظر الآية رقم [٢٩]. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.