السابق يجعل الجملة الفعلية: (اعلموا...) إلخ غير مرتبطة بما قبلها إعرابا مع كونها مرتبطة بها معنى، وقد تقدّم نظائر لها كثيرة.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ وَاِبْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥)}
الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية رقم [١]. {اِتَّقُوا اللهَ:} أصل الفعل:
اوتّقيوا، قلبت الواو تاء، وأدغمت بالتّاء، وحذفت الضمّة التي على الياء، فالتقى ساكنان: الياء والواو، فحذفت الياء، فصار (اتّقوا) ثم قلبت الفتحة ضمة لمناسبة الواو. هذا؛ و (التّقوى):
حفظ النفس من العذاب الأخروي بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه؛ لأنّ أصل المادة من الوقاية، وهي الحفظ، والتّحرّز من المهالك في الدّنيا، والآخرة.
{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ:} اطلبوا إلى الله الوسيلة. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-:
القربة، وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: أي: تقربوا إلى الله بطاعته، والعمل بما يرضيه، والوسيلة هي الّتي يتوصّل بها إلى تحصيل المقصود. قال عنترة: [الكامل]
إنّ الرّجال لهم إليك وسيلة... أن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي
والجمع: الوسائل، قال الشّاعر: [الطويل]
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا... وعاد التّصافي بيننا والوسائل
هذا؛ و (الوسيلة): درجة في الجنّة، وقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة، والصّلاة القائمة آت محمّدا الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته؛ حلّت له شفاعتي يوم القيامة».
وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-: أنّه سمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا سمعتم المؤذّن؛ فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ، فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا، ثمّ سلوا الله لي الوسيلة، فإنّها منزلة في الجنّة، لا تنبغي إلاّ لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة؛ حلّت له الشّفاعة». رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنّسائي.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا صلّيتم عليّ؛ فسلوا لي الوسيلة» قيل: يا رسول الله! وما الوسيلة؟ قال: «أعلى درجة في الجنّة، لا ينالها إلاّ رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو». رواه أحمد، والترمذيّ.