للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إنّ)، واللام هي المزحلقة. {رَحِيمٌ:} خبر ثان، والجملة الاسمية: {فَإِنَّ رَبَّكُمْ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨)}

الشرح: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ:} المراد: أهل مكة، ويقرأ الفعل بالتاء على الخطاب لجميع الناس، والفعل بصري، والمعنى: أو لم ينظروا بعين البصيرة إلى صنع الله، فيعتبروا، وتظهر لهم قدرة الله، فيخافوا منه، ويعبدوه، والمراد ب‍: {شَيْءٍ:} ماله جسم قائم، له ظل، من شجرة، أو جبل، ونحو ذلك. {يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ} أي: يميل من جانب إلى جانب، ويكون أول النهار على حال، فيتقلص، ثم يعود في آخر النهار إلى حالة أخرى، فدورانه وميلانه من موضع إلى موضع سجوده، ومنه قيل للظل بالعشي: فيء؛ لأنه يفيء من المغرب إلى المشرق؛ أي: يرجع، ومنه قوله تعالى: {حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما} واختلف في الفيء، فقيل: هو مطلق الظل، سواء أكان قبل الزوال، أو بعده، وهو ما توحيه الآية.

وقيل: ما كان قبل الزوال فهو ظل فقط، وما كان بعده فهو ظل وفيء. وقيل: بل يختصّ الظلّ بما قبل الزوال، والفيء بعده، فالفيء لا يكون إلا في العشي، وهو ما انصرفت عنه الشمس، والظل ما يكون في الغداة، وهو ما لم تنله الشمس، وفي «القاموس»: الظل: الفيء، والجمع:

ظلال، وأظلال، وظلول، وظلّ الليل: سواده. {وَهُمْ داخِرُونَ:} خاضعون، صاغرون؛ إذ الدخور: الصغار، والذل. وانظر الآية رقم [١٦] من سورة (الرعد) هذا وقد قرئ: «(تتفيأ)» بالتاء، و (الشمائل) جمع: شمال على غير قياس؛ إذ القياس: أشمل، كذراع، وأذرع.

تنبيه: في إفراد {الْيَمِينِ} وجمع الشمال أجوبة: أحدها أن الابتداء يقع من اليمين، وهو شيء واحد، فلذلك وحد اليمين، ثم ينتقص شيئا فشيئا، وحالا بعد حال، فهو بمعنى: الجمع، فصدق على كل حال لفظة «الشمال» فتعدد بعدد الحالات. الثاني: قال الزمخشري: واليمين بمعنى: الأيمان، يعني: أنه مفرد قائم مقام الجمع، وحينئذ فهما في المعنى جمعان، كقوله تعالى: {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أي: الأدبار. الثالث: قال الفراء: كأنه إذا وحد ذهب إلى واحد من ذوات الظلال، وإذا جمع ذهب إلى كلها؛ لأن قوله تعالى: {ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ} لفظه واحد، ومعناه الجمع، فعبر عن أحدهما بلفظ الواحد، كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} وقوله جل شأنه: {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ}. انتهى. جمل نقلا عن كرخي.

تنبيه: والجمع في قوله: {تَدَّخِرُونَ} فيه قولان: أحدهما: أنّ من جملة ما خلق الله فيه من يعقل، فيكون في الكلام تغليب؛ أي: تغليب العقلاء على غيرهم، وهذا على اعتبار {تَدَّخِرُونَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>