الشرح: كان أهل الجاهلية لا يساكنون الحيّض من النّساء، ولا يؤاكلونهنّ، كفعل اليهود والمجوس، واستمرّ ذلك إلى أن سأل ثابت بن الدّحداح-رضي الله عنه-مع نفر من الصّحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فنزلت الآية الكريمة، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«اصنعوا كلّ شيء إلاّ النّكاح». فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا؛ إلا خالفنا فيه! وإذا علمت: أنّ النّصارى كانوا لا يتحاشون شيئا حتى الجماع؛ تبيّن لك: أن شريعتنا الغرّاء وسط بين التّفريط، والإفراط.
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ:} أي: يسألك المسلمون عن المحيض. هذا؛ وقد جاء هذا الفعل ثلاث مرات مقرونا بواو العطف، وجاء أربع مرات غير مقرون بواو العطف، كما رأيت فيما مضى ذكره في هذه السورة الكريمة. والجواب: أن السؤالات الأواخر وقعت في وقت واحد، فجمع بينها بواو العطف المفيدة لمطلق الجمع، وأما السؤالات الأولى، فوقعت في أوقات متفرقة، فلذلك استؤنفت كلّ جملة منها، وجيء بها وحدها. انتهى. جمل بتصرف كبير.
{الْمَحِيضِ:} الحيض، وهو مصدر، يقال: حاضت المرأة حيضا، ومحاضا، ومحيضا، فهي حائض بدون تاء، كطالق، وعاقر؛ لأنها أوصاف خاصّة بالنساء، وروي: حائضة عن الفرّاء، وأنشد:[الطويل]
كحائضة يزنى بها غير طاهر
هذا؛ وللحيض أسماء كثيرة؛ منها: الطّمث، ومنها: ضاحك، كما في سورة هود رقم [٧١] قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ،} ومنها: كابر، كما في سورة يوسف رقم [٣١]{فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ}. والحيض: خلقة في النّساء، وطبع معتاد معروف منهنّ، تترك المرأة الصّوم، والصلاة في أيام حيضها، وفي أيام نفاسها وجوبا، ويحرم عليها قراءة القرآن، ودخول المسجد، والطواف في المسجد الحرام، وتمكين زوجها منها، ولكنّها تقضي الصّوم، ولا تقضي الصلاة لكثرتها، وتراكمها في كلّ شهر بخلاف الصّوم.
فقد روى البخاريّ-رحمه الله تعالى-عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أضحى، أو فطر إلى المصلّى، فمرّ على النساء، فقال:«يا معشر النّساء! تصدّقن، فإنّي أريتكنّ أكثر أهل النّار». فقلن: وبم يا رسول الله؟! قال: «تكثرن اللّعن، وتكفرن