(آل عمران) رقم [١٠٦]: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}. هذا؛ ويعرف المؤمنون يوم القيامة بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء. {فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ} أي: تأخذ الملائكة بنواصيهم؛ أي:
بشعور مقدم رؤوسهم، وأقدامهم، فيقذفونهم في النار. والنواصي: جمع ناصية. وقال الضحاك: يجمع بين ناصيته، وقدميه في سلسلة من وراء ظهره. وعنه: يؤخذ برجلي الرجل، فيجمع بينهما وبين ناصيته حتى يندق ظهره، ثم يلقى في النار. وقيل: يفعل ذلك به ليكون أشد لعذابه، وأكثر لتشويهه. وقيل: تسحبهم الملائكة إلى النار، تارة تأخذ بناصيته، وتجره على وجهه، وتارة تأخذ بقدميه، وتسحبه على وجهه.
هذا؛ والمراد بالمجرمين في هذه الاية: الكافرون، وكثيرا ما يعبر القرآن الكريم عن الكافرين بالظالمين، والمجرمين، والمعتدين، والفاسقين، والمسرفين ونحو ذلك، ويتهددهم بالعذاب الأليم، ويتوعدهم بالعقاب الشديد، وإننا نجد الكثير من المسلمين يتصفون بهذه الصفات، فهل يوجه إليهم هذا التهديد، وهذا الوعيد؟ الحق أقول: نعم يوجه إليهم ما ذكر، وهم أحق بذلك، ولا سيما من قرأ القرآن منهم، واطلع على أحوال الأمم السابقة، وما جرى لهم مع رسلهم، وكيف نكل الله بهم، وجعلهم عبرة للمعتبرين، وما يتذكر إلا أولو الألباب.
والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{يُعْرَفُ:} فعل مضارع مبني للمجهول. {الْمُجْرِمُونَ:} نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم. {بِسِيماهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الألف للتعذر، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:
{يُعْرَفُ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {فَيُؤْخَذُ:} الفاء: حرف عطف. (يؤخذ): فعل مضارع مبني للمجهول. {بِالنَّواصِي:} جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الياء. {وَالْأَقْدامِ:} الواو: حرف عطف. (الأقدام): معطوف على ما قبله. والجملة الفعلية:(يؤخذ...) إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
الشرح:{هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي..}. إلخ أي: يقال لهم: هذه النار التي أخبرتم بها، فكذبتم بوجودها، فها هي حاضرة تشاهدونها عيانا. يقال لهم ذلك تقريعا، وتوبيخا، وتحقيرا. ومثل هذه الاية قوله تعالى في سورة (الطور): {هذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ،} وقوله تعالى في سورة (يس) رقم [٦٢]: {هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اِصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.
{يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} أي: تارة يعذبون في الجحيم، وتارة يسقون من الحميم، وهو