وسورة براءة هل هما سورة واحدة، أو سورتان، فقال بعضهم: سورة واحدة لأنهما نزلتا في القتال، ومجموعهما معا مائتان وثمانون آية، فكانت هي السورة السابعة من السبع الطوال، وقال بعضهم: هما سورتان، فلما حصل هذا الاختلاف بين الصحابة تركوا بينهما فرجة، تنبيها على قول من يقول: إنهما سورتان، ولم يكتبوا {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} وتنبيها على قول من يقول: هما سورة واحدة. انتهى. خازن.
وقيل: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزلت عليه سورة، أو آية بين موضعها، وتوفي؛ ولم يبين موضعها، وكانت قصتها تشابه قصة الأنفال، وتناسبها؛ لأن في الأنفال ذكر العهود، وفي براءة نبذها، فضمت إليها. انتهى. بيضاوي.
الشرح:{بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}: أصل البراءة في اللغة: انقطاع العصمة، يقال: برئت من فلان أبرأ براءة، فأنا بريء منه، أي: انقطعت بيننا العصمة، ولم يبق بيننا علقة، وقيل: معناه التباعد مما تكره مجاورته، وانظر شرح {اللهِ وَرَسُولِهِ} في الآية رقم [١] من سورة (الأنفال).
{إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي: إلى الذين عاهدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه كان المتولي للعقود، وأصحابه جميعهم راضون بذلك، فكأنهم عاقدوا، وعاهدوا فنسب العقد إليهم، وكانت هذه البراءة بعد أن نكث المشركون، ما عاهدوا عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنهم نكثوا إلا أناسا منهم: بنو ضمرة وبنو كنانة، فأمرهم الله بنبذ العهد، إلى الناكثين، وإمهال من لم ينكث من المشركين أربعة أشهر، وهو نص الآية التالية.
الإعراب:{بَراءَةٌ}: خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: هذه براءة. {مِنَ اللهِ}: متعلقان ب {بَراءَةٌ،} أو بمحذوف صفة له. {وَرَسُولِهِ}: معطوف على ما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. {إِلَى الَّذِينَ}: متعلقان بما تعلق به ما قبلهما، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد محذوف، التقدير: عاهدتموهم. {مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: متعلقان بمحذوف حال من المفعول المحذوف، هذا؛ وجوز اعتبار {بَراءَةٌ} مبتدأ، والخبر {إِلَى الَّذِينَ} وسوغ الابتداء بالنكرة وصفها كما رأيت، هذا؛ وقرئ بنصب:(براءة) على تقدير: اسمعوا، أو التزموا براءة، ففيه معنى الإغراء.