الإعراب:{وَبَرًّا:} معطوف على {مُبارَكاً،} ورجح نصبه بفعل محذوف لطول الفصل. هذا؛ وقرئ شاذا بالجر عطفا على الصلاة، وفاعله مستتر فيه؛ لأنه اسم فاعل، {بِوالِدَتِي:} متعلقان به، وعلامة الجر كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم.. إلخ، والياء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر تقديره:«هي». {وَلَمْ:} الواو: واو الحال. (لم): حرف جازم. {يَجْعَلْنِي:} مضارع مجزوم ب: (لم)، والفاعل يعود إلى (الله)، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به أول. {جَبّاراً:} مفعول به ثان، {شَقِيًّا:} من تعدد المفعول الثاني، والجملة الفعلية في محل نصب حال من ياء المتكلم، والرابط: الواو، والضمير، وهو أولى من العطف على الجمل السابقة. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح: شرح هذه الآية وإعرابها مثل الآية رقم [١٥] بلا فارق، انظرها هناك، ففيها الكفاية. هذا؛ وقال الجمل-رحمه الله تعالى-: وصف نفسه بصفات ثمانية: أولها: العبودية، فاعترف بها لئلا يتخذوه إلها، وآخرها تأمين الله له في أخوف المقامات، وكل هذه الصفات تقتضي تبرئة أمه. انتهى. وأقول: تقتضي أيضا تبرئته من الألوهية التي ألصقها به النصارى.
تنبيه: روي: أن عيسى عليه السّلام إنما تكلم في طفولته بما رأيت، ثم عاد إلى حالة الأطفال: حتى مشى على عادة البشر إلى أن بلغ مبلغ الصبيان، فكان نطقه في المهد إظهار براءة أمه، لا أنه كان ممّن يعقل في تلك الحالة، وهو كما ينطق الله الجوارح يوم القيامة، ولم ينقل أنه دام نطقة في تلك الحالة، وهو ما ذكرته في الآية رقم [٤٦] من سورة (آل عمران)، ولا أنه كان يصلي، وهو ابن يوم، أو شهر ولو كان يدوم منه ما ذكر في صغره من وقت الولادة لكان مثله ممّا لا ينكتم، وكلامه في المهد أنقذ أمه من حد الزنى المقرر في التوراة، وقد أجمعت فرق بني إسرائيل أنها لم تحد. انتهى. قرطبي بتصرف كبير.
فائدة: قال قتادة: ذكر لنا أن امرأة رأت عيسى عليه السّلام يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص في سائر آياته، فقالت: طوبى للبطن الذي حملك، والثدي الذي أرضعك، فقال لها:
طوبى لما تلا كتاب الله تعالى، واتبع ما فيه، وعمل به. انتهى قرطبي.
الشرح:{ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} أي: ذلك الذي قال: إني كذا، وكذا، هو عيسى ابن مريم، لا كما قالت النصارى: إنه إله، أو ابن الله، ولا كما يقول اليهود: إنه ابن الزنى، وإنه ابن يوسف النجار، وهو تكذيب للجميع فيما يصفونه به على الوجه الأبلغ، والطريق الأوضح.