ليختبر بذلك عقلها؛ لأن الجن قالوا له: إن في عقلها خللا، وقيل: إن سليمان علم: أنها إن أسلمت حرم عليه مالها، فأراد أن يستولي عليه قبل أن يحرم عليه أخذه؛ لأنها حربية، ومال الحربي يحل أخذه بأية وسيلة كانت. وقيل: أراد أن يعرف صدق الهدهد في قوله {وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ} وقيل: أراد أن يعرف قدر ملكها؛ لأنّ السرير على قدر الملك. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا:} انظر الآية رقم [٢٩] ففيها الكفاية. {أَيُّكُمْ:} اسم استفهام مبتدأ. والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {يَأْتِينِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر تقديره: «هو» يعود إلى {أَيُّكُمْ،} والنون للوقاية، وياء المتكلم ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ. {بِعَرْشِها:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و (ها): ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {قَبْلَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله أيضا. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب.
{يَأْتُونِي:} فعل مضارع منصوب ب {أَنْ} وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب مفعول به، و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بإضافة {قَبْلَ} إليه، التقدير: قبل إتيانهم. {مُسْلِمِينَ:}
حال من واو الجماعة منصوب، وعلامة نصبه الياء... إلخ، والكلام: {يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا..}. إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩)}
الشرح: {قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ:} مارد من الجن، يقرأ بكسر العين، وفتحها، وهي قراءة الجمهور، وقرأ أبو رجاء، وعيسى الثقفي: «(عفرية)» ورويت عن أبي بكر الصديق-رضي الله عنه- ومن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يبغض العفرية النّفرية». قال قتادة: هي الداهية. وقال النحاس:
يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء: عفر، وعفرية، وعفريت، وعفارية، وقيل: عفريت؛ أي:
رئيس، وكان اسم هذا العفريت ذكوان، أو صخرا، ومن هذا الاسم قول ذي الرمة: [البسيط]
كأنّه كوكب في إثر عفرية... مصوّب في سواد الليل منقضب
وأنشد الكسائي قول رؤبة من قصيدة مدح بها مسلمة بن عبد الملك: [الرجز]
إذ قال شيطانهم العفريت... ليس لكم ملك ولا تثبيت
هذا؛ ومن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم أيضا: «إن الله ليبغض العفريت النفريت». قيل: هو الجموع المنوع من الناس. وقال أبو عثمان النهدي-رضي الله عنه-: دخل رجل عظيم على النبي صلّى الله عليه وسلّم،