الشرح:(خسفنا به) أي: بقارون، والخسف: انهيار الأرض، وخسف المكان: ذهب في الأرض، وبابه: جلس، وخسف الله به الأرض من باب: ضرب، أي: غاب به فيها، وخسوف القمر: ذهاب ضوئه. هذا؛ والخسف: النقصان، والخسف: الذلة، والمهانة، والحقارة، قال الشاعر:[البسيط] ولا يقيم على ضيم يراد به... إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته... وذا يشج فلا يرثي له أحد
{فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ:} جماعة من الناس، وهي اسم جمع لا واحد له من لفظه مثل:
قوم، وفريق، ومعشر... إلخ؛ ولذا أعاد عليه الضمير بلفظ الجمع، والمراد: فما كان له أعوان يدفعون عنه عذاب الله. {وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ} أي: الممتنعين من عذابه.
تنبيه: كان قارون ابن عم موسى كما ذكرت لك فيما سبق، وكان قد آمن به، وكان من السبعين الذين اختارهم موسى للمناجاة، فسمع كلام الله تعالى، وكان أعلم بني إسرائيل بعد موسى، وهارون على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام، وأقرأ هم للتوراة، وأكملهم، فابتلاه الله بالغنى، وجمع المال، فبغى، وطغى، وكان موسى يداريه للقرابة التي بينهما، وهو يؤذيه كل وقت، ولا يزيد إلا عتوا، وتجبرا، ومعاداة لموسى -عليه السلام -حتى بنى دارا، وجعل لها بابا من ذهب، وضرب على جدرانها صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون، فيطعمهم الطعام، ويحدثونه، ويضاحكونه.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما نزلت فريضة الزكاة على موسى؛ أتاه قارون، فصالحه على كل ألف دينار عنها دينار، وعلى كل ألف درهم عنها درهم، وعلى كل ألف شاة عنها شاة، وكذلك سائر الأشياء، انتهى. أقول: والمشهور: أن الزكاة كانت مفروضة على بني إسرائيل بمقدار الربع من جميع أصناف المال، ويظهر أن موسى عليه السلام صالحه على ما ذكر لما رأى من شحه، وبخله.
ثم رجع قارون إلى بيته، وماله بعد المصالحة المذكورة، فحسب ماله، فوجد المال المطلوب إخراجه زكاة كثيرا، فلم تسمح نفسه بذلك، فجمع بني إسرائيل، وقال لهم: إن موسى أمركم بكل شيء، فأطعتموه، وهو يريد أن يأخذ أموالكم. فقالوا له: أنت كبيرنا فمرنا بما شئت، قال: آمركم أن تأتوا فلانة البغي، وتجعلوا عليكم لها جعلا على أن تقذف موسى بنفسها،