ومفعول به، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور. والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، وخبر (من) على اعتبارها مبتدأ مختلف فيه، فقيل: هو جملة الشرط. وقيل: هو جملة الجواب. وقيل: هو الجملتان، وهو المرجح عند المعاصرين، والجملة الشرطية على الاعتبارين في محل نصب مقول القول للقول المحذوف، الذي رأيت تقديره.
{وَذلِكَ:} الواو: حرف استئناف. (ذلك): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {هُوَ:} ضمير فصل لا محل له، أو هو بدل من اسم الإشارة، وعليهما ف:{الْفَوْزُ} خبر المبتدأ. هذا؛ ويجوز اعتبار الضمير مبتدأ و {الْفَوْزُ} خبره، وعليه فالجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، وهي بمنزلة التذييل للكلام السابق. {الْعَظِيمُ:} صفة: {الْفَوْزُ}.
الشرح:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ} أي: تناديهم الملائكة حين يدخلون النار، ويرون ما يحل بهم من العذاب الأليم، والعقاب الشديد، ويمقتون أنفسهم، ويبغضونها غاية البغض بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة؛ التي كانت سبب دخولهم النار، فتخبرهم الملائكة عند ذلك بأن مقت الله تعالى لهم في الدنيا حين كان يعرض عليهم الإيمان، فيكافرون أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم في هذه الحالة.
قال قتادة، والحسن البصري، ومجاهد، والسدي: المعنى: لمقت أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا، فتركوه، وأبوا أن يقبلوه أكبر مما مقتوا أنفسهم حين يرون عذاب الله يوم القيامة. انتهى مختصر ابن كثير. ونداء الملائكة لهم إنما هو على سبيل التوبيخ، والتأنيب، والتقريع.
وقيل: المعنى: لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض، كقوله تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [٢٥]: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} وقال الكلبي-نسبة إلى قبيلة بني كلب قبيلة مشهورة، منها زيد بن حارثة الكلبي رضي الله عنه حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه: مقتك يا نفسي! فتقول الملائكة لهم؛ وهم في النار: لمقت الله إياكم إذ أنتم في الدنيا، وقد بعث إليكم الرسل، فلم تؤمنوا أشد من مقتكم اليوم أنفسكم. وقال الحسن البصري: يعطون كتبهم، فإذا نظروا في سيئاتهم؛ مقتوا أنفسهم.
فينادون لمقت الله إياكم في الدنيا؛ إذ تدعون إلى الإيمان، فتكافرون أكبر من مقتكم أنفسكم؛ إذا عاينتم النار. انتهى. جمل. هذا؛ والمقت: أشد البغض، وهو في حق الله تعالى محال، فالمراد منه هنا لازمه، وهو الغضب عليهم، وتعذيبهم، وانظر الآية رقم [٣٥].