للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذابت، فيدفعون إليها ورودا عطاشا، فهذا شرابهم. قال تعالى في سورة (الرحمن): {يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} رقم [٤٤] انظر شرحها هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا؛ فإن قيل: ما معنى وصفها بالحمي، وهي لا تكون إلا حامية، وهو أقل أحوالها. فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة؟ قيل: قد اختلف في المراد ب‍ ال‍: {حامِيَةً} على أقوال:

أحدها: أنّ المراد بذلك: أنها دائمة الحمي، وليست كنار الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها.

الثاني: أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها، أو ترام مماسّتها، كما يحمي الأسد عرينه.

ومثله قوله النابغة الذبياني: [البسيط]

تعدو الذّئاب على من لا كلاب له... وتتّقى صولة المستأسد الحامي

الثالث: أنها حامية حمي غيظ، وغضب، مبالغة في شدة الانتقام. كما يقال: قد حمي فلان: إذا اغتاظ، وغضب عند إرادة الانتقام. وقد بين الله تعالى بقوله هذا المعنى، فقال:

{تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} سورة (الملك) رقم [٨] وانظر الأحاديث الشريفة في سورة (القارعة).

الإعراب: {تَصْلى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر تقديره: «هي» يعود إلى {وُجُوهٌ،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر آخر ل‍: {وُجُوهٌ} وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها، {ناراً:} مفعول به. {حامِيَةً:} صفة له.

{تُسْقى:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره: «هي» يعود إلى {وُجُوهٌ} أيضا، والجملة الفعلية في محل نصب صفة ثانية ل‍: {ناراً،} أو هي في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم. {مِنْ عَيْنٍ:}

متعلقان بما قبلهما. {آنِيَةٍ:} صفة {عَيْنٍ}.

{لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧)}

الشرح: {لَيْسَ لَهُمْ} أي: لأهل النار. {طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ:} لمّا ذكر شراب أهل النار ذكر طعامهم. قال عكرمة، ومجاهد: الضريع: نبت ذو شوك لاصق بالأرض، تسميه قريش الشّبرق، إذا كان رطبا، فإذا يبس؛ فهو الضريع، لا تقربه دابة، ولا بهيمة، ولا ترعاه، وهو سم قاتل، وهو أخبث الطعام، وأشنعه. قال أبو ذؤيب الهذلي: [الطويل]

رعى الشّبرق الرّيّان حتّى إذا ذوى... وعاد ضريعا بان منه النحائص

(والنحائص): جمع النحوص بفتح النون، وهي الأتان الوحشية الحائل؛ التي لا ولد لها.

وقال قيس بن عيزارة الهذلي: [الكامل]

وحبسن في هزم الضريع فكلّها... حدباء دامية اليدين حرود

<<  <  ج: ص:  >  >>