موسى قالوا: أرنا الله جهرة. فكان هذا السؤال وبالا عليهم. وقوم عيسى سألوا نزول المائدة عليهم، ثم كذبوا بها. كأنه تعالى يقول: إن أولئك سألوا، فلما أعطوا سؤالهم؛ كفروا به، فلا تسألوا أنتم شيئا، فلعلكم إن أعطيتم سؤلكم؛ ساءكم ذلك. وانظر الكفر في الآية رقم [٣٩].
الإعراب:{قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {سَأَلَها قَوْمٌ:} ماض ومفعوله وفاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {مِنْ قَبْلِكُمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وليسا صفة ل {قَوْمٌ؛} لأن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثة، ولا حالا منها، ولا خبرا عنها، والكاف في محل جر بالإضافة. {ثُمَّ:} حرف عطف، وانظر الآية رقم [٤٦] لشرحها. {أَصْبَحُوا:}
ماض ناقص، والواو: اسمه. {بِها:} متعلقان ب {كافِرِينَ} بعدهما؛ الذي هو خبر منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون: عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة:{أَصْبَحُوا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
الشرح: تضمنت الآية الكريمة ردّا، وإنكارا لما ابتدعه أهل الجاهلية، وهو أنهم كانوا إذا ولدت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر؛ بحروا أذنها، أي: شقوها، وخلوا سبيلها، فلا تركب، ولا تحلب، ولا تطرد عن ماء، ولا مرعى. وكان الرجل منهم يقول: إن شفيت من مرضي، أو رد الله غائبي، أو نحو ذلك، فناقتي {سائِبَةٍ،} ويجعلها كال {بَحِيرَةٍ} في تحريم الانتفاع بها وغير ذلك، وإذا ولدت الشاة أنثى؛ فهي لهم، وإن ولدت ذكرا؛ فهو لالهتهم، وإن ولدتهما؛ قالوا: وصلت الأنثى أخاها، ولم يذبحوه من أجل الأنثى. وكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرا؛ أكله الرجال والنساء، وإن كان أنثى؛ أرسلت في الغنم. والحام هو الفحل من الإبل يولد من صلبه عشرة أبطن، فيقولون قد حمى ظهره، فيتركونه كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة. وانظر إعلال {لَآتٍ} في الآية رقم [١٣٤] الأنعام فإعلاله مثله. وقيل في تفسير الأربعة غير ما تقدم، ومنشأ الخلاف في تفسيرها يعود إلى اختلاف مذاهب العرب، وآرائهم الفاسدة فيها. هذا؛ والاستفادة من هذه الحيوانات تكون مقصورة على خدام الأصنام، وسدنتها، وأول من ابتدع هذه الأمور في العرب عمرو بن لحي الخزاعي، ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار». رواه البخاري عن أبي هريرة. {كَفَرُوا:}
انظر الآية رقم [٣٩]. {يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ:} في نسبة هذا التحريم إليه تعالى. {لا يَعْقِلُونَ:}
لا يفهمون، ولا يعرفون الحلال من الحرام، أو الأمر من النهي، ولكنهم يقلدون كبراءهم،