للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العربية رفعهما على أنهما خبران لمبتدإ محذوف، التقدير: هو الرحمن الرحيم، كما يجوز نصبهما على أنهما مفعول به لفعل محذوف، التقدير: أمدح، ونحوه. وهذان الوجهان على القطع، أعني به قطع النعت عن المنعوت، وجملة: البسملة على الوجهين ابتدائية لا محل لها.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)}

{الم:} انظر شرحها، وإعرابها في، أول سورة (الروم).

{تَنْزِيلُ الْكِتابِ} أي: القرآن الكريم الموجود بين أيدينا، المتلو بألسنتنا، المحفوظ في صدورنا، المنزل على قلب نبينا صلّى الله عليه وسلّم. {لا رَيْبَ فِيهِ:} لا شك فيه. {مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي: إنه منزل من رب العالمين الذي أنشأهم من العدم، وأحسن خلقهم، وصوّرهم، فأحسن تصويرهم، وربّاهم، فأحسن تربيتهم، وغذّاهم، فأحسن تغذيتهم... إلخ.

تنبيه: يرد هنا سؤال، وهو: إن الله تعالى قد نفى الريب والشك عن كتابه الذي أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم على سبيل الاستغراق، وقد ارتاب فيه كثيرون في الماضي، وفي الحاضر.

والجواب: أن المنفي كونه متعلّقا للريب، ومظنة له؛ لأنه من وضوح الدلالة، وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لعاقل أن يرتاب فيه، لا أن أحدا لا يرتاب، ومن ارتاب فيه، أو في بعضه فالريب حصل له من فهمه السقيم، وعقله العقيم، وخذ قول المتنبي: [الوافر] وكم من عائب قولا صحيحا... وآفته من الفهم السّقيم

ولكن تأخذ الآذان منه... على قدر القريحة والفهوم

ورحم الله البوصيري إذ يقول: [البسيط] قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد... وينكر الفم طعم الماء من سقم

ورحم الله أحمد شوقي إذ يقول: [الوافر] وما ضرّ الورود وما عليها... إذا المزكوم لم يطعم شذاها

وما أحسن قول بعضهم: [البسيط] عاب الكلام أناس لا خلاق لهم... وما عليه إذا عابوه من ضرر

ما ضرّ شمس الضحى في الأفق طالعة... أن لا يرى ضوءها من ليس ذا بصر

وخذ قول أبي الطيب المتنبي أيضا: [الوافر] ومن يك ذا فم مرّ مريض... يجد مرّا به الماء الزّلالا

<<  <  ج: ص:  >  >>