للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاسمية تعليل للأمر، لا محل لها، والآية بكاملها معطوفة على ما قبلها، وهي في محل نصب مقول القول؛ لأنها من مقول لقمان على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠)}

الشرح: {أَلَمْ تَرَوْا..}. إلخ: ذكر الله نعمه على بني آدم، وأنه سخر لهم ما في السموات من شمس وقمر وملائكة تحوطهم، وتحرسهم، وتجر إليهم منافعهم، وأيضا: النجوم، والسحاب، وغير ذلك، وما في الأرض من البحار، والأنهار، والجبال، والأشجار، والمعادن، والدواب على اختلاف أجناسها، وتفاوت منافعها.

{وَأَسْبَغَ} أي: أتم، وأكمل. قال تعالى لداود: {أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ} أي: دروعا تامات كاملات، وقرئ: «(أصبغ)» بالصاد على إبدالها من السين؛ لأن حروف الاستعلاء، تجتذب السين من سفلها إلى علوها، فتردها صادا. {نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً:} محسوسة، ومعقولة، ما تعرفونه، وما لا تعرفونه. هذا؛ وقرئ: «(نعمة)» بالإفراد، وهو يدل على الكثرة، كقوله تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها} قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس-رضي الله عنهما-وقد سأله عن هذه الآية: «الظّاهرة الإسلام، وما حسن من خلقك، والباطنة ما ستر عليك من سيّئ عملك».

وقيل: الظاهرة: تسوية الأعضاء وحسن الصورة، والباطنة: الاعتقاد بالقلب. وقيل:

الظاهرة: الرزق، والباطنة: حسن الخلق. وقيل: الظاهرة: تخفيف الشرائع، والباطنة:

الشفاعة. وقيل: الظاهرة ظهور الإسلام، والنصر على الأعداء، والباطنة: الإمداد بالملائكة.

وقيل: الظاهرة: اتباع الرسول، والباطنة: محبته. انتهى. خازن. وقريب منه في الكشاف، وتفسير القرطبي.

وأجل هذه النعم على وجه الإطلاق نعمة الإيمان لمن هداه الله، ووفقه للعمل بمقتضاه.

وينبغي أن تعلم: أن الإنسان مهما عمل من الصالحات، وعبد الله تعالى لا يوفي حق أصغر هذه النعم، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان فيه العمل الصالح، وديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النّعم من الله عليه، فيقول الله عز وجل لأصغر نعمة (أحسبه قال: في ديوان النعم): خذي ثمنك من عمله الصالح، فتستوعب عمله الصّالح، ثم تنحّى، وتقول: وعزّتك ما استوفيت! وتبقى الذنوب والنّعم؛ وقد ذهب العمل الصالح، فإذا أراد الله أن يرحم عبده، قال: يا عبدي! قد ضاعفت لك حسناتك، وتجاوزت عن سيّئاتك، (أحسبه قال: ووهبت لك نعمي)». رواه البزار. هذا؛ وحديث الذي عبد الله خمسمائة

<<  <  ج: ص:  >  >>