للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها إشكال: أحد الأوجه: أنه متعلق بفعل القسم المحذوف، التقدير: أقسم بالليل وقت سراه.

قاله أبو البقاء، وغيره، وهو مشكل، فإن فعل القسم إنشاء، والإنشاء حال، و (إذا) لما يستقبل من الزمان؛ فكيف يتلاقيان؟! الثاني: أن العامل فيه مقدر على أنه حال من الليل؛ أي: أقسم به حال كونه مستقرا في زمان سريانه. وهو مشكل من وجهين: أحدهما: أن الليل جثة، والزمان لا يكون من الجثة، كما لا يكون خبرا عنها. والثاني: أنّ {إِذا} للمستقبل، فكيف يكون حالا، وقد أجيب عن الأول بأن المراد بالليل لازم معناه، وهو المظلم. وأجيب عن الثاني بأنها حال مقدرة. الثالث: أن العامل في الظرف نفس الليل. قاله أبو البقاء أيضا، وفيه نظر؛ لأن الليل لا يعمل في الظرف؛ لأنه اسم جامد. وقد يقال: إن الليل يوصف، والتقدير: والليل المظلم في وقت سراه. انتهى. جمل من سورة (النجم). {يَسْرِ:} فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة كما رأيت، والفاعل يعود إلى (الليل)، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها.

{هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥)}

الشرح: {هَلْ فِي ذلِكَ..}. إلخ: تحقيق، وتقرير لفخامة شأن الأمور المقسم بها، وكونها أمورا خليقة حقيقة بالإعظام، والإجلال عند أرباب العقول والأفهام، وتنبيه على أن الإقسام بها أمر معتد به، خليق بأن يؤكد به الأخبار على طريقة قوله تعالى في سورة (الواقعة): {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} وذلك إشارة إما إلى الأمور المقسم بها، والتذكير بتأويل ما ذكر، أو إلى الإقسام بها، وأيا ما كان فما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبة المشار إليه، وبعد منزلته في الفضل، والشرف. انتهى. جمل نقلا من أبي السعود، ومعنى (لذي حجر): لذي لب، وعقل.

قال الشاعر: [البسيط]

وكيف يرجّى أن تتوب وإنّما... يرجّى من الفتيان من كان ذا حجر؟

هذا؛ وأصل الحجر: المنع، يقال لمن ملك نفسه ومنعها من السيئات، والمعاصي: إنه لذو حجر، ومنه سمي الحجر لامتناعه بصلابته، ولذلك سميت الغرفة حجرة لامتناع ما فيها بها. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ} سورة (الحجرات) رقم [٤]. وقال الفراء: تقول العرب: إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها، كأنه أخذ من حجرات على الرجل.

وفي الخازن: {هَلْ فِي ذلِكَ} أي: فيما أقسمت به من هذه الأشياء. {قَسَمٌ:} مقنع، ومكتفي في القسم. {لِذِي حِجْرٍ:} لذي عقل، سمي بذلك؛ لأنه يحجر صاحبه عما لا يحل له، ولا ينبغي. كما سمي عقلا؛ لأنه يعقل صاحبه عن القبائح، وسمي: نهية قال تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى} سورة (طه) رقم [١٢٨] وأصل الحجر: المنع، ولا يقال: ذو حجر إلا لمن

<<  <  ج: ص:  >  >>