للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة المائدة]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة المائدة هي مدنية إلاّ قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية رقم [٣]، فإنّها نزلت بعرفة في حجّة الوداع يوم عرفة والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم واقف بها، فقرأها في خطبته، وقال: «يا أيها الناس إنّ سورة (المائدة) من آخر القرآن نزولا، فأحلّوا حلالها، وحرّموا حرامها». وإنّما خصّ النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه السورة من بين سور القرآن بالذكر-وكل سور القرآن يجب أن يحل المسلم حلالها، ويحرم حرامها-لزيادة الاعتناء بها، فهو كقوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [٣٦]: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ..}. إلخ حيث أكد اجتناب الظلم في أربعة منها، وإن كان الظلم لا يجوز في شيء من جميع أشهر السنة؛ لزيادة الاعتناء بها.

وقيل: إنّما خص النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه السورة بالذّكر؛ لأنّ فيها ثمانية عشر حكما لم تنزل في غيرها من سور القرآن. قال البغويّ: روي عن ميسرة؛ قال: إنّ الله تعالى أنزل في هذه السورة ثماني عشر حكما لم ينزلها في غيرها، وهي: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ} {وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ،} {وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ،} {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ،} وتمام الطّهور في قوله تعالى: {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ... ،} {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ،} {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إلى قوله تعالى: {عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ،} وقوله تعالى: {ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ} وقوله تعالى: {شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}. وفريضة تاسعة عشرة، وهي قوله عزّ وجل: {وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} ليس للأذان ذكر في القرآن إلا في هذه السّورة، أمّا ما في سورة الجمعة فمخصوص بالجمعة، وهو في هذه السّورة عام لجميع الصلوات.

هذا؛ وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما-قال: أنزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة (المائدة) وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها، أي: لثقل الوحي الذي ينزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمّيت سورة (المائدة) لورود ذكر المائدة فيها، حيث طلب الحواريّون من عيسى-عليه السّلام-آية تدلّ على صدق نبوّته، وتكون لهم عيدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>