للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقعة في جواب الشرط. (السين): حرف استقبال. (ترضع): فعل مضارع. {لَهُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {أُخْرى:} فاعل (ترضع) مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط، والجملة الشرطية: {وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ..}. إلخ لا محل لها معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.

{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧)}

الشرح: معنى الاية لينفق الزوج على زوجته، وعلى ولده الصغير على قدر وسعه؛ حتى يوسع عليهما؛ إذا كان موسعا عليه، ومن كان فقيرا؛ فعلى قدر ذلك، فتقدر النفقة بحسب الحالة من المنفق، والحاجة من المنفق عليه بالاجتهاد على مجرى حياة العادة، فينظر المفتي إلى قدر حاجة المنفق عليه، ثم ينظر إلى حالة المنفق، فإن احتملت الحالة؛ أمضاها عليه، فإن اقتصرت حالته على حاجة المنفق عليه؛ ردها إلى قدر احتماله.

وقال الإمام الشافعي-رضي الله عنه-وأصحابه: النفقة مقدرة محددة، ولا اجتهاد لحاكم، ولا لمفت فيها، وتقديرها ما هو بحال الزوج وحده من يسره، وعسره، ولا يعتبر بحالها، وكفايتها. قالوا: يجب لابنة الخليفة ما يجب لابنة الحارس، فإن كان الزوج موسرا؛ لزمه مدّان، وإن كان متوسطا فمدّ ونصف، وإن كان معسرا؛ فمدّ، واستدلوا بقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} فجعل الاعتبار بالزوج في اليسر، والعسر دونها، ولأن الاعتبار بكفايتها لا سبيل إلى علمه للحاكم ولا لغيره، فيؤدي إلى الخصومة؛ لأن الزوج يدعي أنها تلتمس فوق كفايتها، وهي تزعم: أن الذي تطلبه قدر كفايتها، فجعلناها مقدرة قطعا للخصومة. والأصل في هذا عندهم قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ،} وقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٣٦]:

{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}.

أقول: ولا بد للمدّ، وللمدين ما يلزم لهما من طحن، وإدام. وهذا يختلف باختلاف المكان، والزمان، وإلا فما تصنع بالمد والمدين في هذا الأيام، لذا فالأخذ بقوله تعالى في آية (البقرة) رقم [٢٣٣]: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أولى، وأحق في هذه الأيام، وذلك يقتضي تعلق المعروف في حقهما؛ لأنه لم يخص في ذلك واحدا منهما، وليس من المعروف أن تكون كفاية الغنية مثل نفقة الفقيرة، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم لهند: «خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف». فأحالها على الكفاية حين علم السعة من حال أبي سفيان الواجب عليه بطلبها، ولم يقل لها: لا اعتبار بكفايتك، وأن الواجب لك شيء مقدر، بل ردها إلى ما يعلمه من قدر كفايتها، ولم يعلقه بمقدار معلوم، ثم ما ذكروه من التحديد يحتاج إلى توقيف، والاية لا تقتضيه. انتهى. قرطبي بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>