عليكم سلام، أنتم قوم منكرون؛ أي: غرباء لا نعرفكم، وذلك لأنهم قدموا عليه في صورة شبان حسان، عليهم مهابة عظيمة. وقيل: أنكرهم؛ لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان. وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان، وفي تلك الأرض. وقيل: أنكرهم؛ لأنه ظن أنهم بنو آدم، ولم يعرفهم، أو لأنّ السّلام لم يكن تحيتهم، فإنه علم الإسلام. وقيل: أنكرهم: خافهم، يقال: أنكرته: إذا خفته، ومثله: نكر، واستنكر، فالكل بمعنى واحد. قال الأعشى، وقد جمع بين لغتين:[البسيط]
فأنكرتني وما كان الّذي نكرت... من الحوادث إلاّ الشّيب والصّلعا
أقول: وهو فحوى قوله تعالى في سورة (الحجر) رقم [٥٢]: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} أي: خائفون. هذا؛ وقال سليمان الجمل-رحمه الله تعالى-: فإن قيل: قال الله تعالى في سورة (هود): {فَلَمّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} فدلّ ذلك على أن إنكاره عليه السّلام حصل بعد تقريب العجل إليهم، وقال هاهنا:{قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} ثم قال: {فَراغَ إِلى أَهْلِهِ} بفاء التعقيب، وذلك يدلّ على أن تقريب الطعام إليهم كان بعد حصول إنكاره، فما وجه التوفيق؟ فالجواب: أن الإنكار الذي كان قبل تقريب العجل غير الإنكار الحاصل بعده، فإن الإنكار الحاصل قبله، بمعنى عدم العلم بأنهم من أي بلدة؟ والإنكار الحاصل بعده بمعنى عدم العلم بأنهم دخلوا عليه لقصد الخير، أو الشر، فإن من امتنع من تناول الطعام يخاف من شره. انتهى. نقلا عن زاده. وفي البيضاوي، والنسفي تبعا للزمخشري: والعدول إلى الرفع للدلالة على إثبات السّلام، كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به أخذا بأدب الله، وهذا أيضا من إكرامه لهم. انتهى.
الإعراب:{إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان، مبني على السكون في محل نصب، وفي عامله أربعة أوجه: أحدها: أنه {حَدِيثُ} أي: هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه.
الثاني: أنه منصوب بما في {ضَيْفِ} من معنى الفعل؛ لأنه في الأصل مصدر، ولذلك يستوي فيه الواحد المذكر، وغيره، كأنه قيل: الذين ضافوه في وقت دخولهم عليه. الثالث: أنه منصوب ب: {الْمُكْرَمِينَ،} إن أريد بإكرامهم: أن إبراهيم أكرمهم بخدمته لهم. الرابع: أنه منصوب بإضمار: اذكر، ولا يجوز نصبه ب:{أَتاكَ} لاختلاف الزمانين. انتهى. جمل نقلا عن السمين.
{دَخَلُوا:} ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة:{إِذْ} إليها. {عَلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. (قالوا): ماض، وفاعله.
{سَلاماً:} مفعول مطلق عامله محذوف، كما رأيت في الشرح تقديره، والجملة الفعلية: «نسلم