للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ما). وقد عرفت أن القراءات الأربع سبعية، وقرئ شاذّا «(وإن كل)» بتخفيف (إن) ورفع (كلّ) ولمّا بالتشديد، وهي قراءة الحسن البصري، وعليها ف‍ {لَمّا} بمعنى «إلا»، وقرئ أيضا شاذا قراءات أخر فلتراجع في السمين وغيره. انتهى. ملخصا منه، أقول: وقرئ {(وَإِنَّ كُلاًّ لَمّا)} أي:

جميعا، كقوله تعالى: {أَكْلاً لَمًّا}.

(يوفينهم): مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة التي هي حرف لا محل له، والهاء مفعول به أول. {رَبُّكَ} فاعله، والكاف في محل جر بالإضافة. {أَعْمالَهُمْ}: مفعول به ثان، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب قسم محذوف، والجملة القسمية لقد رأيت الأقوال المختلفة في محلها، وانظر باقي الإعراب في الآية التالية.

تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)}

الشرح: {فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ}: لما بين الله أمر المختلفين في التوحيد والنبوة، وأطنب في شرح الوعد، والوعيد، أمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالاستقامة مثل ما أمر بها، بلا إفراط ولا تفريط، وهي تشمل العقائد والأعمال والأخلاق، فإنها في العقائد اجتناب التشبيه والتعطيل، وفي الأعمال الاحتراز عن الزيادة والنقصان، والتغيير والتبديل، وفي الأخلاق التباعد عن طرفي الإفراط والتفريط، وهذا في غاية العسر، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: «شيّبتني سورة هود». انتهى. بيضاوي وجمل بتصرف.

{وَمَنْ تابَ مَعَكَ} أي: ومن تاب من الشرك والكفر، واتبع طريقتك السوية ونهجك المستقيم. {وَلا تَطْغَوْا}: ولا تخرجوا عما حد لكم، فتجاوزوا بل وتعتدوا على حقوق الله وحقوق العباد، ومنه قوله: {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ}. {إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}: فيه تهديد، ووعيد للذين يتكبرون في الأرض، ويطغون على الناس.

عن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولا، لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال: «قل آمنت بالله ثمّ استقم». رواه مسلم، وقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ منه روغان الثعلب. وعن عثمان بن حاضر الأزدي، قال: دخلت على ابن عباس-رضي الله عنهما-، فقلت: أوصني، فقال: نعم، عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع، ولا تبتدع. انتهى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {فَاسْتَقِمْ}: الفاء: حرف استئناف، أو هي الفصيحة أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان جزاء كل من الفريقين المؤمن، والصالح واقعا لا محالة؛ فأعرض عنهم، واستقم... إلخ. (استقم): أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {كَما} الكاف: حرف تشبيه

<<  <  ج: ص:  >  >>