للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠)}

الشرح: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: ألم يعلم الذين كفروا، وقرئ بدون واو. {أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً} أي: كانتا شيئا واحدا، وحقيقة متحدة، هذا؛ و (الرتق) بسكون التاء وفتحها:

السد ضد الفتق، وهو أيضا الالتحام، والالتزام. {فَفَتَقْناهُما} أي: فصلنا بينهما بالهواء، وفي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: قاله ابن عباس، والحسن، وعطاء، والضحاك، وكعب-رضي الله عنهم-: خلق الله السموات، والأرض شيئا واحدا ملتزقتين ببعضهما، ففصل بينهما بالهواء.

والثاني: قاله مجاهد، والسدي، وأبو صالح: كانت السموات مؤتلفة طبقة واحدة، ففتقها الله، وجعلها سبع سموات، وكذلك كانت الأرضون مرتتقة طبقة واحدة، ففتقها الله، فجعلها سبعا، وإنّما قال تعالى: {كانَتا} ولم يقل: كنّ؛ لأن المراد جماعة السموات، وجماعة الأرضين.

والثالث: قاله عكرمة، وعطية، وابن زيد، وابن عباس أيضا فيما ذكر المهدوي: إن السموات كانت رتقا، لا تمطر، والأرض كانت رتقا، لا تنبت، ففتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات، واختار هذا القول الطبري بدليل الجملة التالية. انتهى. قرطبي بتصرف.

{وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ:} فيه ثلاث تأويلات: أحدها: أنه خلق كل شيء من الماء، والثاني: حفظ حياة كل شيء بالماء، فيدخل فيه الحيوان، والنبات، والشجر... إلخ، والثالث: أن المراد ما خلق من النطفة، ويكون هذا اللفظ قد خرج مخرج الغالب؛ لأن آدم، وعيسى، والملائكة، والجان، لم يخلقوا من النطفة كما هو معروف. {أَفَلا يُؤْمِنُونَ} أي:

أفلا يصدقون بما يشاهدونه، وأن ذلك لم يخلق بنفسه، بل لمكوّن كونه، وموجد أوجده، ولا يجوز أن يكون ذلك المكون محدثا، وانظر «الإيمان» في الآية رقم [٦]. هذا؛ وفي الآية مقابلة الرتق بالفتق، وهو نوع من البديع جيد

هذا؛ و (جعلنا) هنا بمعنى: خلقنا، وأنشأنا، وأوجدنا. والفرق بين خلق، وجعل الذي له مفعول واحد: أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى التضمين، ولذا عبر سبحانه في كثير من الآيات عن إحداث النور، والظلمات بالجعل، فقال: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت المجوس بخلاف الخلق؛ لأن فيه معنى الإيجاد والإنشاء، ولذا عبر سبحانه في كثير من الآيات عن إيجاد السموات والأرض بالخلق، وخصهما جلت قدرته بالذكر هنا، وفي كثير من الآيات؛ لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وجمع {السَّماواتِ} دون (الأرض) وهي مثلهن؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات، متفاوتة بالصفات، والآثار،

<<  <  ج: ص:  >  >>