والحركات وقدمها لشرفها، وعلو مكانها، وتقدم وجودها، ولأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية كما في الأرض، وأيضا: لأنها كالذّكر، فنزول المطر من السماء على الأرض كنزول المني من الذكر في رحم المرأة؛ لأن الأرض تنبت، وتخضرّ بالمطر.
أما «الكفر»: فهو ستر الحق بالجحود والإنكار، وكفر فلان النعمة، يكفرها كفرا، وكفورا، وكفرانا: إذا جحدها، وسترها، وأخفاها. وكفر الشيء: ستره، وغطاه. وسمي الكافر كافرا؛ لأنه يغطي نعم الله بجحدها، وعبادته غيره، وسمي الزارع كافرا؛ لأنه يلقي البذر في الأرض، ويغطيه، ويستره بالتراب. قال تعالى في تشبيه حال الدنيا:{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ} وسمي الليل كافرا؛ لأنه يستر كل شيء بظلمته. قال لبيد بن ربيعة الصحابي-رضي الله عنه-في معلقته:[الكامل]
حتّى إذا ألقت يدا في كافر... وأجنّ عورات الثّغور ظلامها
أما {الْماءِ} فأصله: موه بفتح الميم، والواو، فتحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فصار:«ماه» فلما اجتمعت الألف والهاء، وكلاهما خفي، قلبت الهاء همزة، ودليل ذلك:
أن جمع ماء: أمواه، ومياه، وتصغيره: مويه. وأصل ياء مياه واو، لكنها قلبت ياء لانكسار ما قبلها في جمع أعلت في مفرده، كما قالوا: دار، وديار، وقيمة، وقيم، ومثله قولهم: سوط، وسياط، وحوض، وحياض، وثوب، وثياب، وثور، وثيرة. ويقال في تعريف الماء: هو جسم رقيق مائع به حياة كل نام. وقيل في حده: جوهر سيال به قوام الأرواح. بعد هذا خذ قول أبي ذؤيب الهذلي:[الطويل]
شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت... متى لجج خضر لهنّ نئيج
فهو يصف السحاب على اعتقاد العرب في الجاهلية، ومثلهم العصريون في هذا الزمن من أن السحاب، أي الغيوم تدنو من البحر الملح في أماكن مخصوصة، فتمتد منها خراطيم كخراطيم الفيلة، فتشرب بها من مائه، فيسمع لها عند ذلك صوت مزعج، ثم تصعد إلى الجو، وترتفع، فيلطف ذلك الماء، ويعذب بإذن الله تعالى في زمن صعودها، ثم تمطره حيث شاء العلي القدير. وأما عند أهل السنة، فيقولون: إن أصله من الجنة، يأتي به المولى المتعالي من السحاب، من خروق فيها كخروق الغربال.
وأقوال: إن ما ينزل من السماء من مطر، بعضه من ماء البحار المالحة الأرضية، وبعضه من خزائن القدرة، على أن الأول لا ينبت، وإنما الإنبات والخصب في الثاني، وعلامة الأول أنه ينزل غزيرا، كأنه ينصبّ من أفواه قرب، وأما ما يقوله الدهريون الملحدون: إن الطبيعة تمطر فهو كفر صراح، أي: خالص. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤٣] من سورة (النور) تجد ما يسرك.
أما {شَيْءٍ} فهو في اللغة: عبارة عن كل شيء موجود، إما حسا كالأجسام، وإما حكما كالأقوال، نحو قلت: شيئا، وجمع الشيء: أشياء غير منصرف، واختلف في علته اختلافا