الشرح:{وَقُرْآناً فَرَقْناهُ} أي: بينا حلاله، وحرامه، أو فرقنا بين الحق والباطل، وهو بتخفيف الراء، وقرأ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وجماعة بتشديد الراء، وفيه وجهان:
أحدهما: أن التضعيف للتكثير؛ أي: فرقنا آياته بين أمر ونهي، وحكم، وأحكام، ومواعظ، وأمثال، وقصص، وأخبار ماضية، ومستقبلة، انظر الآية رقم [١١١] من سورة (يوسف) تجد ما يسرك و [٤١] من هذه السورة. والثاني: أنه دال على التفريق، والتنجيم، ومعلوم: أن القرآن نزل مفرقا منجما في ثلاث وعشرين سنة على حسب مقتضيات الأحوال. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٨٤] من سورة (البقرة)، ويؤيد التفسير الثاني: قوله: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ:} على مهل، وتؤدة، فإنه أيسر للحفظ، وأعون في الفهم. وقيل:{عَلى مُكْثٍ:} على ترسل في التلاوة.
قاله مجاهد، وابن عباس، وابن جريج، فيعطي القارئ القراءة حقها من ترتيلها، وتحسينها، وتطييبها بالصوت الحسن ما أمكن من غير تلحين، ولا تطريب مؤد إلى تغيير لفظ القرآن بزيادة، أو نقصان. هذا؛ والمكث في الأصل مصدر: مكث، يمكث، بمعنى: أقام يقيم. قال الكميت يذم ولاة السوء:[الطويل]
فتلك ولاة السّوء قد طال مكثهم... فحتّام حتّام العناء المطوّل؟
و (المكث) بضم الميم، وتكسر. وهذا على: أنه اسم، وأما المصدر، فإن كان فعله من باب: نصر، فهو بضم الميم أيضا، وإن كان من باب: كرم فهو بفتح الميم.
{وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً} أي: نجما بعد نجم، انظر الآية رقم [٨٩] من سورة (النحل) لترى الفرق بين نزلنا، وأنزلنا. وانظر (نا) في الآية رقم [٢١] من سورة (الحجر). وانظر شرح القرآن في الآية رقم [١] منها.
الإعراب:{وَقُرْآناً:} الواو: حرف عطف. (قرآنا) مفعول به لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده، أو هو مفعول به لفعل محذوف، التقدير: وآتيناك قرآنا. {فَرَقْناهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة مفسرة على الوجه الأول، لا محل لها، وفي محل نصب صفة (قرآنا) على الوجه الثاني فيه. {لِتَقْرَأَهُ:} مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل مستتر تقديره:«أنت»، والهاء مفعول به، و «أن» المضمرة، والمضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بما قبلهما. {عَلَى النّاسِ:} متعلقان بما قبلهما.
{عَلى مُكْثٍ:} متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، وجملة:{وَقُرْآناً..}. إلخ على الاعتبارين معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وجملة:{وَنَزَّلْناهُ} معطوفة عليها.