أما الوعد المقيد فهو ما كان فيه شرط، كشرط التقوى، أو شرط الصبر، أو شرط نصرة دين الله، وما شابه ذلك، قال تعالى:{إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} رقم [٧] من سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} رقم [٢ و ٣] من سورة (الطلاق) وبعدها: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}. وقد وعد المؤمنين بالنصر بشرط الصبر، كما قال تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٦٥]: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ..}. إلخ. انتهى. بتصرف كبير مني.
الإعراب:{إِنّا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها. {لَنَنْصُرُ:} اللام: هي المزحلقة.
(ننصر) فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«نحن». {رُسُلَنا:} مفعول به، و (نا): في محل جر بالإضافة. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب معطوف على: {رُسُلَنا،} وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {فِي الْحَياةِ:} متعلقان بالفعل (ننصر). {الدُّنْيا:} صفة: {الْحَياةِ} مجرور مثله، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر. {وَيَوْمَ:} ظرف زمان معطوف على الجار والمجرور قبله، التقدير: لننصر رسلنا في الحياة الدنيا وفي يوم القيامة، وجملة:{يَقُومُ الْأَشْهادُ} في محل جر بإضافة (يوم) إليها، وجملة:{لَنَنْصُرُ} في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول لقول محذوف، والقائل هو الله تعالى، كما رأيت في الجملة السابقة.
الشرح:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} أي: عذرهم لو اعتذروا. وهذا جواب عما يقال:
إن ما في هذه الآية يدل على أنهم يذكرون الأعذار؛ إلا أنها لا تنفعهم، وقال في سورة (المرسلات) رقم [٣٦]: {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} فما وجه الجمع بين ما هنا، وهناك؟ وتقرير الجواب: أن ما هناك لا يدل إلا على أنهم ليس عندهم عذر مقبول نافع، وهذا يصدق بأن لا يتعذروا أصلا، فلا منافاة بينهما، إن كان سلب النفع لانتفاء أصل المعذرة، وأما إن كان سلب النفع مبنيا على أنهم يذكرون الأعذار، ولكنها لا تنفعهم؛ فيحتاج في دفع التناقض إلى اعتبار تعدد الأوقات، فإن يوم القيامة يوم طويل، فجاز أن يعتذروا في وقت، ولا يعتذروا في وقت آخر بأن يمنعوا من الكلام بأن يقال لهم: اخسؤوا فيها، ولا تكلمون! انتهى. زاده. وعبارة الكرخي قوله:(معذرتهم): عذرهم أشار إلى أن المعذرة، والعذر معناهما واحد، وعدم نفع المعذرة؛ لأنها باطلة، أو لأنه لا يؤذن لهم، فيعتذرون، فالآية من نفي المقيد، والقيد. انتهى.
جمل بتصرف. وانظر ما أذكره في سورة (فصلت) رقم [٢٤].
هذا؛ ويقرأ الفعل:{لا يَنْفَعُ} بالتاء؛ لأن الفاعل هو (معذرة) وهو مؤنث مجازي، وما كان منه؛ يجوز تأنيث فعله، وتذكيره، والمعذرة: الاعتذار، فهي مصدر ميمي من: عذره: رفع عنه