للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكثرته، وكثرة ما يتّصف بالصّفتين المذكورتين في الآيتين السابقتين، وقرئ: («تشابه») بضم الهاء وتخفيف الشين، كما قرئ بضم الهاء وتشديد الشين، وأصله: تتشابه، فأبدلت التاء الثانية شينا، وأدغمت في مثلها. هذا؛ ووجوه البقر تتشابه، ومنه حديث حذيفة بن اليمان-رضي الله عنه-عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنه ذكر فتنا كقطع الليل، تأتي كوجوه البقر، يريد أنها يشبه بعضها بعضا.

{وَإِنّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ} أي: إلى البقرة المطلوبة. وقوله تعالى حكاية عن قولهم: {إِنْ شاءَ اللهُ} تعليق بمشيئة الله، وهذا يسمّى في الشرع استثناء، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لو لم يستثنوا؛ لما بيّنت لهم آخر الأبد»، وفي رواية: «لو ما استثنوا؛ ما اهتدوا إليها أبدا».

الإعراب: {قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ} انظر الإعراب في الآية رقم [٦٨]. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الْبَقَرَ:} اسمها. {تَشابَهَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {الْبَقَرَ}. {عَلَيْنا:}

جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ الْبَقَرَ} تعليل للأمر، لا محل لها. ({إِنّا}): حرف مشبه بالفعل، و (نا) في محل نصب اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {إِنَّ} حرف شرط جازم. {شاءَ:}

فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط. {اللهُ:} فاعله، ومفعوله محذوف، كما رأيت فيما سبق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنّها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط عند سيبويه: جملة: {إِنَّ} وما عملت فيه. وعند أبي العباس المبرد:

محذوف، و {إِنَّ} ومدخولها كلام معترض بين اسم (إنّ) وخبرها. (مهتدون): خبر (إنّ) مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية: (إنا {لَمُهْتَدُونَ}) معطوفة على الجملة قبلها، فهي داخلة في التعليل، أو هي مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين.

{قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)}

الشرح: {قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ} أي: غير مذلّلة بالعمل، أي: هي بقرة صعبة غير ريّضة. ولم يؤنث: {ذَلُولٌ} لأن فعول يستوي فيه المذكر، والمؤنث. تقول: رجل صبور، وامرأة صبور، فهو صيغة مبالغة. {تُثِيرُ الْأَرْضَ:} تقلّبها، وتحرّكها بالحراثة للزراعة، قال تعالى في سورة (الروم) رقم [٩]: {وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها}. ومنه الحديث: «أثيروا القرآن: فإنه علم الأولين والآخرين». {وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ:} غير مستعملة في سقي الأرض المهيّأة للزراعة، والمزروعة. {مُسَلَّمَةٌ:} خالية من العيوب، وآثار العمل. {لا شِيَةَ فِيها} أي: لا لون فيها غير لونها الأصفر؛ حتى ظفرها، وقرنها، فهي صفراء كلّها، والشّية في الأصل مصدر:

<<  <  ج: ص:  >  >>