للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العائد إلى ({مَنْ}) وخبر المبتدأ الذي هو ({مَنْ}) مختلف فيه، فقيل: جملة الشرط. وقيل: جملة الجواب. وقيل: الجملتان، وهو المرجح لدى المعاصرين، والجملة الاسمية: {وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ} في محل نصب حال من الضمير الواقع مفعولا به، والرابط: الواو، والضمير.

{وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥)}

الشرح: {وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ} المراد بها هنا: الزنى، والفاحشة: الفعلة القبيحة، فهي مصدر كالعاقبة، والعافية، سمّيت بذلك لفحشها، وقبحها، ومعنى {يَأْتِينَ:} يفعلنها. يقال:

أتى الفاحشة، وجاءها، وغشيها، ورهقها: إذا فعلها. {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} أي: من المسلمين، فجعل الله الشهادة على الزنى خاصة أربعة تغليظا على المدّعي، وسترا على العباد.

وتعديد الشهود بالأربعة في الزنى حكم ثابت في التوراة، والإنجيل، والقرآن، قال تعالى في سورة النّور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً} وقال هنا: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} ولا بدّ أن يكون الشهود ذكورا، وعدولا. والخطاب للأزواج. وقيل: هو للحكّام، قال عمر-رضي الله عنه-: إنّما جعل الله الشّهود أربعة سترا ليستركم به دون فواحشكم.

{فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} أي: فاحبسوهنّ في البيوت، والحكمة في حبسهن: أن المرأة إنّما تقع في الزنى عند الخروج، والبروز للرّجال، فإذا حبست في البيت؛ لم تقدر على الزنى. {حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ} يعني: تتوفاهنّ ملائكة الموت عند انقضاء آجالهن. ففيه مجاز عقلي؛ حيث أسند الوفاة إلى الموت. {أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً:} وهذا الحكم كان في أوّل الإسلام، قبل نزول الحدود، كانت المرأة إذا زنت؛ حبست في البيت حتّى تموت، ثم نسخ ذلك بالحدود، وجعل الله لهن سبيلا، وخذ ما يلي:

عن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه-قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أنزل عليه؛ كرب لذلك، وتربّد له وجهه، فأنزل عليه ذات يوم، فلقي كذلك، فلمّا سرّي عنه؛ قال: «خذوا عنّي، خذوا عنّي، قد جعل الله لهنّ سبيلا، الثّيب بالثّيب، والبكر بالبكر، الثّيّب جلد مائة، ثم رجم بالحجارة، والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة». أخرجه مسلم، وغيره، فقال الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-: يجمع على الثيب الجلد، والرّجم بنصّ الحديث. والجمهور على أنه يكتفي بالرّجم.

ويفهم من هذا: أنّ الآية منسوخ حكمها بآية (النّور) قوله تعالى: {الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما..}. إلخ، وبآية الرّجم المنسوخة تلاوة، والباقية حكما إلى يوم القيامة، وهي قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>