للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨)}

الشرح: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً} أي: ضامة، تضم الأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها. وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه، ودفن شعره، وسائر ما يزيله عنه. قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «قصّوا أظافركم، وادفنوا قلاماتكم». قال المفسرون: الكفت: الجمع، والضم، فالأرض تجمع، وتضم إليها جميع البشر، فهي كالأم لهم، الأحياء يسكنون فوق ظهرها في المنازل، والدور، والأموات يسكنون في بطنها في القبور. قال تعالى في سورة (طه) رقم [٥٥]:

{مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى}. وخذ قول الشاعر: [الوافر]

فأنت اليوم فوق الأرض حيّا... وأنت غدا تضمّك في كفات

هذا؛ وقد قال الزمخشري هناك: عدد الله على الخلق ما علق بالأرض من مرافقهم، حيث جعلها لهم فراشا، ومهادا يتقلبون عليها، وسوى لهم فيها مسالك يترددون فيها كيف شاؤوا، وأنبت لهم فيها أصناف النبات؛ التي منها أقواتهم، وعلوفات بهائمهم، وهي أصلهم الذي تفرعوا منه، وأمهم التي ولدوا منها، ثم هي كفاتهم؛ إذا ماتوا، ومن ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«تمسّحوا بالأرض فإنّها بكم برّة». انتهى. هذا؛ وخذ ما رواه ربيعة الجرشي-رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «استقيموا ونعمّا إن استقمتم، وحافظوا على الوضوء فإن خير أعمالكم الصلاة، وتحفّظوا من الأرض؛ فإنها أمّكم، وإنه ليس أحد عامل عليها خيرا، أو شرّا إلاّ وهي مخبرة به». رواه الطبراني.

هذا؛ وقد ورد بأن الأرض تضم كل إنسان يدفن فيها بعد موته؛ لأنها أمه، والأم من بني آدم تضم ولدها إذا كان غائبا، وحضر، ولكن ضمة الأرض للعبد المؤمن، والأمة المؤمنة ضمة عطف، ولطف، وشفقة، وحنان، وضمها للكافر، والفاجر، والفاسق، والأمة من ذلك ضمة غضب، وسخط، وقسوة، وإزعاج. اللهم وفقنا للعمل بكتابك، وللاهتداء بهدي نبيك محمد صلّى الله عليه وسلّم!

{وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ} أي: جعلنا في الأرض جبالا راسخات، عاليات مرتفعات لئلا تضطرب بكم، ومنه شمخ بأنفه إذا رفعه كبرا. قال تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٣١]: {وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} ومثلها في (النحل) رقم [١٥]، ومثلها في سورة (الرعد) رقم [٣]. وقال تعالى في سورة (فصلت) رقم [١٠]: {وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها} انظر شرحها هناك فإنه جيد جدا جدا والحمد لله.

هذا؛ وقد قال الصابوني في كتابه: «صفوة التفاسير»: لقد كشف القرآن عن حكمة وجود الجبال فوق الأرض قبل أن يكتشفها العلم الحديث، فالجبال كالأوتاد للأرض تثبتها، وتقيها

<<  <  ج: ص:  >  >>