للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمحذوف دل عليه ما بعده. {مِنَ الشّاهِدِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية {وَأَنَا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها فهي في محل نصب مقول القول مثلها، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من الفاعل المستتر؛ فالمعنى لا يأباه، ويكون الرابط: الواو، والضمير، وجملة: {قالَ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.

{وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧)}

الشرح: {وَتَاللهِ:} قسم فيه معنى التعجب، وقرئ بالباء، وهي الأصل، والتاء بدل من الواو المبدلة منها، وفيها معنى التعجب، والتاء تختص في القسم باسم الله وحده، وربما قالوا:

تربي، وترب الكعبة، وتالرحمن، والواو تختص بكل مظهر، والباء بكل مضمر، ومظهر.

{لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ:} أقسم أنه لا يكتفي بالمحاجة باللسان، بل كسر أصنامهم أيضا فعل واثق بالله تعالى، موطن نفسه على مقاساة المكروه في الذب عن الدين. هذا؛ والكيد: المكر، يقال:

كاده، يكيده، كيدا، ومكيدة، وكذلك المكايدة، وربما سمي الحرب كيدا، يقال: غزا فلان فلم يلق كيدا، وكل شيء تعالجه؛ فأنت تحاول كيدا. {بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} أي: منطلقين ذاهبين.

هذا؛ وقيل: إنما قال إبراهيم هذا القول سرّا في نفسه، ولم يسمع ذلك إلا رجل واحد من قومه، فأفشاه، وهو القائل: {سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ..}. إلخ، وقيل: كان لهم في كل سنة مجمع، وعيد. فكانوا: إذا رجعوا من عيدهم؛ دخلوا على الأصنام، فسجدوا لها، ثم رجعوا إلى منازلهم، فلما كان ذلك العيد؛ قال أبو إبراهيم: يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا! فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض، وقال: إني سقيم، أشتكي رجلي، فتركوه، ومضوا، فنادى في آخرهم، وقد بقي ضعفاء الناس: تالله {لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ} فسمعوها منه، ثم رجع إلى بيت الآلهة، وهن في بهو عظيم، وفي مستقبل باب البهو صنم عظيم، إلى جنبه صنم أصغر منه، والأصنام جنبها إلى جنب بعض، كل صنم الذي يليه أصغر منه، وهكذا إلى باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعاما بين يدي الآلهة، وقالوا: إذا رجعنا وقد برّكت الآلهة عليه أكلنا منه، فلما نظر إبراهيم إليهن، وما بين أيديهن من الطعام؛ قال لهن على طريق الاستهزاء: {أَلا تَأْكُلُونَ} فلما لم يجيبوه، قال: {ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} وجعل يكسرهن بفأس كان في يده، حتى إذا لم يبق إلا الصنم العظيم علق الفأس في عنقه-وقيل في يده-ثم خرج، وهو ما يلي. انتهى. خازن بتصرف. وما أحراك أن تنظر الآية رقم [٨٨] من سورة (الصافات) وما بعدها والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ والأصنام: جمع صنم: وهو التمثال الذي يتخذ من خشب، وكانت أصنامهم اثنين وسبعين صنما، بعضها من ذهب، وبعضها من فضة، وبعضها من حديد، وبعضها من نحاس،

<<  <  ج: ص:  >  >>