الشرح:{مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا} أي: أغرقوا بالطوفان من أجل خطيئاتهم، جمع: خطيئة، فقد جمعت بالألف والتاء، كما في قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٦١]: {وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ} وقرئ: «(مما خطاياكم)» كما في قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٥٨]: {وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ} فهو جمع تكسير، كما تجمع على:
فعالل، فتقول:«خطائئ» مثل: صحائف جمع صحيفة، وأصله خطايء مثل: صحايف، فقل في إعلاله تحركت الياء فيهما، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، ولم يعتد بالألف الزائدة؛ لأنها حاجز غير حصين، فالتقى ساكنان: الألف الأصلية، والألف المنقلبة عن الياء، فقلبت هذه همزة، فصار (خطائيء) على فعالل، فلما اجتمعت الهمزتان، قلبت الثانية ياء؛ لأن قبلها كسرة، ثم استثقلت، والجمع ثقيل، وهو معتل مع ذلك، فقلبت الياء ألفا، ثم قلبت الهمزة الأولى ياء لخفائها بين الألفين. أما خطايا فهو جمع خطيّة، وأصلها: خطيئة، فقلبت الهمزة ياء، وأدغمت الياء فصار: خطيّة.
{فَأُدْخِلُوا ناراً} أي: بعد إغراقهم. قال القشيري: وهذا يدل على عذاب القبر، ومنكروه يقولون: صاروا مستحقين دخول النار، أو عرض عليهم أماكنهم من النار، كما قال تعالى في سورة (غافر) رقم [٤٦]: {النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا} وقد ذكرت هناك: أنه يستدل بها على عذاب القبر أيضا. وروى أبو روق عن الضحاك: أنه قال: يعني: عذّبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في الدنيا في حالة واحدة؛ كانوا يغرقون في جانب، ويحترقون في الماء من جانب. وبه قال القرطبي، والخازن، والزمخشري، وأنشد أبو بكر بن الأنباري:[البسيط]
الخلق مجتمع طورا ومفترق... والحادثات فنون ذات أطوار
لا تعجبنّ لأضداد إن اجتمعت... فالله يجمع بين الماء والنار
هذا؛ والنار: جوهر لطيف مضيء محرق، وهي من المؤنث المجازي، وقد تذكر، وأصلها: