للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محذوف، التقدير: أولى بك العقاب، أو الهلاك. انتهى. من سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم)، وقد ذكر أبو البقاء هنا اعتباره اسما، أو اسم فعل، وذكر الجلال هنا: أنه اسم فعل بمعنى: وليك ما تكره، واللام زائدة، والكاف مفعول به، والفاعل ضمير مستتر يعود على ما تقدم. {أَوْلى:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: فهو أولى، أي: فهو أفعل تفضيل، فدلت الأولى على الدعاء عليه بقرب المكروه منه، ودلت الثانية على الدعاء عليه بأن يكون أقرب إليه من غيره، والكلام كله مستأنف، والآية الثانية معطوفة على ما قبلها، وإعرابها مثلها بلا فارق، وهي مفيدة للتوكيد. هذا؛ وقال القرطبي، وغيره: ولم ينصرف {أَوْلى؛} لأنه صار علما للوعيد، فصار كرجل اسمه: أحمد.

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧)}

الشرح: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ} أي: الكافر، والفاجر، والفاسق. {أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي: هملا لا يؤمر، ولا ينهى، ولا يكلف في الدنيا بطاعة، وعبادة، ولا يحاسب في الآخرة، كالبهائم المرسلة. قال تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [١١٥]: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ} انظر شرحها هناك؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. هذا؛ و {سُدىً} مهملا، يقال: إبل سدى؛ أي: مهملة؛ أي: ترعى بلا راع، وأسديت حاجتي؛ أي: ضيعتها، ومعنى أسدى إليه معروفا: أنه جعله بمنزلة الضائع عند المسدى إليه، لا يذكره، ولا يمن به عليه، والسّدى أيضا:

ندى الليل، وبه يعيش الزرع، وأسديت إليه معروفا: اتخذته عنده. هذا؛ وسدى أصله: (سديا) بضم السين، وفتح الدال، وتحريك الياء منونة، فقلبت الياء ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان: الألف، والتنوين، الذي يرسم ألفا في حالة النصب بحسب الأصل، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار: (سدى) وإنما أتوا بياء أخرى لتدل على الياء المحذوفة الأصلية، بخلاف ما إذا لم يأتوا بها، وقالوا: (سدا) فلا يوجد ما يدل عليها. هذا؛ وقيل:

«أيحسب أن يترك سدى» أي: في قبره كذلك أبدا، لا يبعث، ولا يحاسب، ولا يجازى. ومنه قول الشاعر: [المتقارب]

فأقسم بالله جهد اليمين... ما ترك الله شيئا سدى

{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى} أي: يصب في الرحم، ويراق. يقال: منى الرجل، وأمنى من المني، وسميت منى، (المكان قرب مكة) بهذا الاسم لما يمنى فيها من الدماء، أي: يراق.

وقيل: تمنى: تقدر. قاله أبو عبيدة، يقال: منيت الشيء: إذا قدرته، ومني له، أي: قدر له. قال أبو قلابة الهذلي: [البسيط]

ولا تقولن لشيء سوف أفعله... حتّى تلاقي ما يمني لك الماني

وقال آخر: [البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>