للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنّا فاعِلِينَ (٧٩)}

الشرح: {فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ:} الضمير المنصوب يعود للحكومة، أو للفتوى، أو للقضية، المفهومة من المقام، وقرئ: «(فأفهمناها)» {وَكُلاًّ} أي: من داود، وسليمان، عليهما السّلام.

{آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً} أي: بوجوه الاجتهاد، وطرق الأحكام. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٧٤].

قال الحسن-رحمه الله تعالى-: لولا هذه الآية؛ لرأيت الحكام قد هلكوا، ولكن الله حمد هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده.

{وَسَخَّرْنا:} ذللنا. {مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ:} قال وهب: كان داود يمر بالجبال مسبحا، فتجاوبه الجبال بالتسبيح، وكذلك (الطير)، وقيل: كان عليه السّلام إذا وجد فترة أمر الجبال، فسبحت حتى ينشط، ويشتاق، فيكون المعنى: جعلنا الجبال تطيعه إذا أمرها بالتسبيح. وقيل:

إن سيرها معه تسبيحها، والتسبيح مأخوذ من السباحة. وقال قتادة: {يُسَبِّحْنَ} يصلين معه إذا صلى، والتسبيح: الصلاة، وكلّ محتمل، وذلك؛ لأن الجبال لا تعقل، فتسبيحها معه دلالة على تنزيه الله تعالى من صفات العاجزين، والمحدثين.

{وَكُنّا فاعِلِينَ} أي: قادرين على ما ذكر من التفهيم، وإيتاء الحكم، والتسخير. هذا؛ ولا تنس: أن اليهود، والنصارى يعتبرون داود، وسليمان عليهما السّلام ملكين، وليسا بنبيّين.

تنبيه: ومن أحكام داود، وسليمان-عليهما السّلام-ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسّكّين، أشقّه بينهما! فقالت الصّغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها! فقضى به للصغرى» أخرجاه في الصحيحين.

ويؤخذ من فحوى هذا الحديث: أن الولد وقع بيد المرأة الكبرى، فصارت صاحبة اليد، والصغرى مدعية، فطالبها داود عليه السّلام ببينة تثبت: أنه ابنها، وتعذر ذلك عليها، وأما سليمان عليه السّلام؛ فقد لجأ إلى حيلة لطيفة ظهر له بسببها صدق الصغرى وهي أنه لما قال:

هات السكين أشقه بينهما، قالت الصغرى: لا، فظهر له من قرينة الشفقة، والعاطفة في الصغرى أنه لها، وانظر ما أذكره في سورة (النمل) إن شاء الله تعالى.

فائدة: يروى: أنه لما هدم الوليد بن عبد الملك كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم: إنك هدمت الكنيسة، التي رأى أبوك تركها، فإن كنت مصيبا؛ فقد أخطأ أبوك، وإن كان أبوك

<<  <  ج: ص:  >  >>