للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩)}

الشرح: {لِيُبَيِّنَ..}. إلخ: أي: يبعث الله الناس يوم القيامة؛ ليبين لهم الذي يختلفون فيه من أمر البعث، والحساب، والجزاء، ويظهر لهم الحق؛ الذي لا خلف فيه حينئذ. {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: بالله ورسوله، وأقسموا أن لا بعث بعد الموت. {أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ:} فيما يدعونه، ويفترونه، وفيه إشارة إلى السبب الداعي إلى البعث، المقضي له من حيث الحكمة، وهي التمييز بين الحق، والباطل، والمحق والمبطل بالثواب والعقاب. هذا؛ والفعل {وَلِيَعْلَمَ} من المعرفة، لا من العلم اليقيني، انظر الآية رقم [٤٢] من سورة (الرعد)، وانظر شرح الكفر في الآية رقم [٣٧] من سورة (يوسف) عليه السّلام.

الإعراب: {لِيُبَيِّنَ:} مضارع منصوب ب‍: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل مستتر يعود إلى (الله)، و «أن» المضمرة والمضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل المقدر بعد {بَلى}. {لَهُمُ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به، وجملة: {يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} صلة الموصول، والعائد الضمير المجرور ب‍: (في). (ليعلم): مثل {لِيُبَيِّنَ} في إعرابه، وتقديره، وتأويله. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل، وجملة: {كَفَرُوا} صلة له. {أَنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {كانُوا:} ماض ناقص، والواو اسمه. والألف للتفريق. {كاذِبِينَ:} خبر كان منصوب... إلخ، وجملة: {كانُوا كاذِبِينَ} في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سدّ مسدّ مفعول (يعلم)؛ لأنه من المعرفة، كما رأيت.

{إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)}

الشرح: أعلم الله في هذه الآية الخلق سهولة البعث عليه؛ إذ المعنى: إذا أردنا أن نبعث من يموت؛ فلا تعب علينا، ولا نصب في إحيائهم، وبعثهم، ولا في غير ذلك ممّا نحدثه. وفي الآية دليل قاطع على أن الله تعالى مريد لجميع الحوادث، كلها: خيرها، وشرها، نفعها، وضرها، والدليل على ذلك: أن من يرى في سلطانه ما يكرهه، ولا يريده فلأحد شيئين: إما لكونه جاهلا لا يدري، وإما لكونه مغلوبا لا يطيق، ولا يجوز ذلك في وصفه سبحانه، وقد قام الدليل على أنه سبحانه خالق لأفعال العباد، ويستحيل أن يكون فاعلا لشيء؛ وهو غير مريد له؛ لأن أكثر أفعالنا يحصل على خلاف مقصودنا، وإرادتنا، فلو لم يكن الحق سبحانه مريدا لها لكانت تلك الأفعال تحصل من غير قصد، وهذا قول الطبيعيين، وقد أجمع الموحدون على خلافه، وفساده. انتهى. قرطبي بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>