للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الآية الكريمة تمثيل لسرعة الإيجاد عند تعلق الإرادة الإلهية، وليس هناك أمر حقيقة، ولا كاف، ولا نون، وإلا لو كان هناك أمر لاعترض بأن يقال: إن كان الخطاب للشيء حال عدمه، فلا يعقل؛ لأن خطاب المعدوم لا يعقل، وإن كان بعد وجوده ففيه تحصيل الحاصل، وإنما المراد من التمثيل تصوير سرعة الحدوث، والإيجاد بما لا يتجاوز أمده النطق بلفظه: «كن» وما أسهلها!.

بعد هذا خذ ما يلي، عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله تبارك وتعالى: يشتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذّبني وما ينبغي له أن يكذّبني، أما شتمه إيّاي، فيقول: إنّ لي ولدا، وأمّا تكذيبه إيّاي، فقوله: ليس يعيدني كما بدأني». وفي رواية:

«كذّبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأمّا شتمه إياي، فقوله: اتّخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد». رواه البخاري.

هذا والإرادة: نزوع النفس، وميلها إلى الفعل بحيث يحملها عليه، ويقال للقوة التي هي مبدأ النزوع، والأول: مع الفعل، والثاني: قبله، وكلا المعنيين غير متصوّر اتصاف الباري تعالى به؛ ولذا اختلف في معنى إرادته، فقيل: إرادته لأفعاله أنه غير ساه، ولا مكره، ولأفعال غيره أمره بها، فعلى هذا لم تكن المعاصي بإرادته. وقيل: علمه باشتمال الأمر على النظام الأكمل، والوجه الأصلح. وهذا الأخير هو المقبول؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر.

الإعراب: {إِنَّما:} كافة ومكفوفة. {قَوْلُنا:} مبتدأ، و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {لِشَيْءٍ:} متعلقان بالقول. {إِذا:} ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق ب‍: {قَوْلُنا} أيضا. {أَرَدْناهُ:} فعل ماض، وفاعله ومفعوله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها، والمصدر المؤول من: {أَنْ نَقُولَ لَهُ} في محل رفع خبر المبتدأ، وهو نفس المبتدأ، وساغ ذلك لاختلاف متعلقهما على حد قوله تعالى: {وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ} وقال أبو النجم: [الرجز]

أنا أبو النّجم وشعري شعري... لله درّي ما يجنّ صدري

{كُنْ:} أمر تام؛ لأنه بمعنى: احدث، وفاعله مستتر تقديره: «أنت» والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {فَيَكُونُ:} الفاء: حرف عطف. (يكون): مضارع تام مرفوع، وفاعله يعود إلى شيء، والجملة الفعلية معطوفة على جملة محذوفة تفصح عنه الفاء، وينسحب عليه الكلام؛ أي: فنقول ذلك، فيكون، كقوله تعالى: {وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ،} وإما جواب لشرط محذوف؛ أي: فإذا قلنا ذلك؛ فهو يكون. انتهى. جمل. وهذا يفيد: أن الفاء الفصيحة. وقال غيره: الجملة الفعلية في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: هو يكون،

<<  <  ج: ص:  >  >>