للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨)}

الشرح: نزلت الآية الكريمة في المنافقين؛ الذين قالوا في قتلى أحد كما حكى الله عنهم:

{لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا} الآية رقم [١٥٦] من سورة (آل عمران)، فردّ الله عليهم بهذه الآية. وقيل: نزلت في الذين قالوا: {رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ،} فردّ الله عليهم بهذه الآية، فبيّن الله تعالى: أنّه لا خلاص لهم من الموت، وإذا كان لا بدّ من الموت؛ كان القتل في سبيل الله، وجهاد أعدائه أفضل من الموت على الفراش؛ لأنّ الموت في الجهاد تحصل به سعادة الآخرة.

{أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ..}. إلخ؛ أي: في أيّ مكان وجدتم، فلا بدّ أن يدرككم الموت عند انتهاء الأجل ويفاجئكم؛ ولو تحصّنتم منه بالحصون المنيعة، فلا تخشوا القتال خوف الموت. هذا؛ والموت: انتهاء الحياة بخمود حرارة البدن، وبطلان حركته. وموت القلب: قسوته، فلا يتأثر بالمواعظ، ولا ينتفع بالنّصائح. والموت أكبر واعظ. وخذ قول طرفة بن العبد: [الرمل]

وكفى بالموت فاعلم واعظا... لمن الموت عليه قد قدر

فاذكر الموت وحاذر ذكره... إنّ في الموت لذي اللّبّ عبر

كلّ شيء فيه يلقى حتفه... في مقام أو على ظهر سفر

والمنايا حوله ترصده... ليس ينجيه من الموت الحذر

وخذ ما يلي معتبرا، ومفكرا، وبالله التوفيق: [الطويل]

هو الموت فاحذر أن يجيئك بغتة... وأنت على سوء من الفعل عاكف

وإيّاك أن تمضي من الدّهر ساعة... ولا لحظة إلاّ وقلبك واجف

وبادر بأعمال يسرّك أن ترى... إذا نشرت يوم الحساب الصّحائف

وواحد (البروج): برج، وهو البناء المرتفع، والقصر العظيم، قال طرفة يصف ناقة: [البسيط]

كأنّها برج روميّ تكنّفها... بان بشيد وآجرّ وأحجار

هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: (البروج): الحصون، والآطام، والقلاع، ومعنى {مُشَيَّدَةٍ:} مطولة، ومحصّنة، ومزيّنة بالشّيد، وهو الجصّ. والمشيّدة، والمشيد سواء،

<<  <  ج: ص:  >  >>