الشرح:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا:} عبد الله بن أبي، وأصحابه. {يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ..}.
إلخ: يعني اليهود من بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع، وإنما اعتبر الله المنافقين إخوان اليهود؛ لأنهم أكفر منهم؛ لأنهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر. {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ:} من المدينة.
{لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ:} منها. {وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً} أي: إن طلب منا أحد خلافكم، وخذلانكم؛ فلا نسمع لقوله، ولا نطيعه فيكم. {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ:} حاربكم، وقاتلكم محمد صلّى الله عليه وسلّم.
فيما قالوا، ووعدوا اليهود، وفي هذا دليل واضح على صحة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم من جهة علم الغيب، فهو إخبار عن ذلك قبل وقوعه؛ لأنهم أخرجوا، فلم يخرجوا معهم، وقوتلوا فلم ينصروهم.
تنبيه: ذكرت لك في الاية رقم [٢] من هذه السورة ما فعل الله ببني النضير، وكيف دس المنافقون لهم ما ذكره الله في هذه الاية، وذكرت لك في سورة (الأحزاب) رقم [٢٦] ما فعل الله ببني قريظة من القتل، والخزي، والذل، وأما بنو قينقاع، فهم قوم من اليهود كانت منازلهم في بطحان مما يلي العالية، وكانوا أشجع اليهود، وكانوا صاغة، وكانوا حلفاء عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، وعبد الله بن أبي ابن سلول لعنه الله، فلما كانت وقعة بدر، أظهروا البغي، والحسد، والعداوة، ونبذوا العهد؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عاهدهم، وعاهد بني قريظة، وبني النضير على أن لا يكونوا معه، ولا عليه، وكان عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-، من أعظم أحبارهم، فهداه الله للإسلام، وهم أول من نقض العهد من اليهود.
وسبب نقضهم العهد أن امرأة من العرب، وكانت زوجة لبعض الأنصار، الساكنين بالبدو، قدمت المدينة بجلب لها، وهو ما يجلب ليباع في المدينة من نتاج الماشية، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ منهم، فجعل جماعة منهم يراودونها كشف وجهها، فأبت عليهم، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها، فعقده إلى ظهرها، وهي لا تشعر، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ، فقتله، وشدت اليهود على المسلم، فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، وتواثبوا من كل جهة، فبلغ الخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال:«ما على هذا عاهدناهم». فتبرأ عبادة بن الصامت-رضي الله عنه-من حلفهم. وقال: أتولى الله ورسوله، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار.