للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به. {عَلَيْهِمْ:} متعلقان بما بعدهما. {وَكِيلاً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.

{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)}

الشرح: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي: إن علمه سبحانه وتعالى غير مقصور عليكم، بل علمه يتعلق بجميع الموجودات، والمعدومات، ومتعلق بجميع ذات الأرضين والسموات، ويعلم حال كل أحد، ويعلم ما يليق به من المصالح، والمفاسد. وقيل: معناه: أنه عالم بأحوالهم، واختلاف صورهم، وأخلاقهم، ومللهم، وأديانهم. {وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ} أي: فقد اتخذ الله إبراهيم خليلا، وكلم موسى تكليما، وقال لعيسى: كن فكان، وآتى سليمان ملكا عظيما، لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داود زبورا، وقد ذكر الله هذا التفضيل في قوله: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} الآية رقم [٢٥٣] من سورة (البقرة)، وتفضيل بعض الأنبياء على بعض يكون بتفاوت الفضائل النفسانية التي وهبها الله لكل واحد، ولهذا اشتهر منهم أولو العزم، الذين تحملوا المتاعب والمصاعب، فما وهنوا، وما استكانوا لما أصابهم في سبيل الله، وكان محمد صلّى الله عليه وسلّم خاتمة الأنبياء الذين اتصفوا بكامل الصفات، وقد ذكرت لك ذلك مرارا.

هذا؛ و (الزبور) كتاب أنزله الله على داود عليه السّلام، وهو مائة وخمسون سورة، ليس فيها حكم، ولا حلال، ولا حرام، ولا فرائض، ولا حدود، ولا أحكام، بل فيها تسبيح، وتقديس، وتحميد، وثناء على الله عز وجل، ومواعظ، وحكم. وتعريفه مرّة، وتنكيره أخرى، إما؛ لأنه في الأصل فعول بمعنى: المفعول كالحلوب، أو مصدر بمعناه كالقبول، وإما لأن المراد إيتاء داود زبورا من الزبر، فيه ذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم.

بقي أن تعرف لم خص داود في هذه الآية بالذكر دون غيره من الأنبياء؟ وذلك من وجوه:

أحدها: أن الله تعالى ذكر: أنه فضل بعض النبيين على بعض، ثم قال: {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً} وذلك أن الله أعطى داود مع النبوة الملك، فلم يذكره بالملك، وذكر ما أتاه من الكتاب، تنبيها على أنّ الفضل المذكور في هذه الآية المراد به العلم، لا الملك والمال، «اللهم لك الحمد على ما أنعمت». والوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى كتب له في الزبور: أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم خاتم الأنبياء، وأن أمته خير الأمم؛ فلهذا خصه بالذكر. الثالث: زعمت اليهود أن لا نبي بعد موسى، ولا كتاب بعد التوراة، فكذبهم الله بقوله: {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً}. انتهى. خازن بتصرف.

هذا؛ وكان داود على نبينا، وعليه، وعلى جميع الأنبياء، والمرسلين ألف تحية، وألف صلاة يخرج إلى البرية، فيقوم، ويقرأ الزبور، وتقوم علماء بني إسرائيل خلفه، ويقوم الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>