للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

({وَلا خَوْفٌ}) بمعنى ليس. انتهى. قرطبي. وقد ذكرت لك: أنها إذا تكررت؛ أهملت، أي: لا تعمل عمل «ليس»، تأمّل، وتدبر، وربك أعلم، وأجلّ، وأكرم.

{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣)}

الشرح: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ:} كلام حسن، وردّ على السائل جميل، وقيل: عدة حسنة تعده بها. {وَمَغْفِرَةٌ} أي: تستر عليه خلّته، وفقره، ولا تهتك ستره، وقيل: هو أن يتجاوز عن الفقير إذا استطال عليه حال ردّه، وقد قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «الكلمة الطيّبة صدقة، وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق». أخرجه مسلم، فيتلقّى السّائل بالبشر، والتّرحيب، ويقابله بالطلاقة، والتقريب؛ ليكون مشكورا؛ إن أعطى، ومعذورا؛ إن منع. وقد قال بعض الحكماء: الق صاحب الحاجة بالبشر، فإن عدمت شكره؛ لم تعدم عوزه، وحكى ابن لنكك: أن أبا بكر بن دريد قصد بعض الوزراء في حاجة لم يقضها، وظهر له ضجر، فقال: [الكامل]

لا تدخلنّك ضجرة من سائل... فلخير دهرك أن ترى مسئولا

لا تجبهن بالرّدّ وجه مؤمّل... فبقاء عزّك أن ترى مأمولا

تلقى الكريم فتستدلّ ببشره... وترى العبوس على اللّئيم دليلا

واعلم بأنّك عن قليل صائر... خبرا فكن خبرا يروق جميلا

{وَمَغْفِرَةٌ:} المغفرة هنا السّتر للخلّة، وسوء حالة المحتاج، ومن هذا قول الأعرابي، وقد سأل قوما بكلام فصيح، فقال له قائل: ممّن الرّجل؟ فقال له: اللهمّ غفرا، سوء الاكتساب يمنع من الانتساب. وقيل: المعنى: تجاوز عن السّائل إذا ألحّ، وأغلظ، وجفى خير من التصدّق عليه مع المنّ والأذى، ويجوز أن يكون المعنى: وغفران الله خير من صدقتكم هذه التي تمنّون بها على النّاس.

{يَتْبَعُها أَذىً:} بالمنّ، والتعيير، أو بالكلام الجافي القاسي، {وَاللهُ غَنِيٌّ} أي: مستغن عن صدقة العباد، وهو الغني الكامل الغنى الذي لا يحتاج إلى أحد. {حَلِيمٌ:} أي: يحلم، ويغفر، ويصفح، ويتجاوز عن المنّان بعطيته، والمؤذي للسّائل بقوله، وفعله، حيث لم يعاجلهم بالعقوبة، قال الحليمي-رحمه الله تعالى-في معنى (الحليم): إنّه الذي لا يحبس إنعامه وإفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكنّه يرزق العاصي، كما يرزق المطيع، ويبقيه وهو منهمك في معاصيه، كما يبقي البرّ المتّقي، وقد يقيه الآفات، والبلايا، وهو غافل، لا يذكره، فضلا عن أن يدعوه، كما يقيها الناسك الذي يدعوه، ويسأله، وقال أبو سليمان الخطّابي: (الحليم): ذو الصّفح، والأناة؛ الذي لا يستفزّه غضب، ولا يستخفّه جهل جاهل، ولا عصيان عاص، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>