للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧)}

الشرح: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} هو تبع الحميري، الذي سار بالجيوش، وبنى الحيرة، وبنى سمرقند. وقيل: هدمها، وكان مؤمنا، وكان قومه كافرين؛ ولذلك ذمهم الله دونه، وقال صلّى الله عليه وسلّم:

«ما أدري أكان تبع نبيا، أو غير نبي؟». وأسلم، وآمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم قبل ولادته بتسعمئة سنة لما أخبرته اليهود بخبره على حسب ما هو في كتابهم، وهذا هو تبع الأكبر أبو كرب، واسمه:

أسعد، وإليه تنسب الأنصار، ولحفظهم وصيته عن آبائهم بادروا إلى الإسلام، وهو أول من كسا الكعبة، بعد ما أراد غزو مكة، وبعدما غزا المدينة المنورة، وأراد خرابها، ثم انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد، وقال شعرا أودعه عند أهلها، وكانوا يتوارثونه كابرا عن كابر إلى أن هاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فدفعوه إليه، ويقال: كان الشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري -رضي الله عنه-وفيه: [المتقارب]

شهدت على أحمد أنه... رسول من الله باري النّسم

فلو مدّ عمري إلى عمره... لكنت وزيرا له وابن عم

وروى ابن إسحاق، وغيره: أنه كان في الكتاب الذي كتبه: أما بعد: فإني آمنت بك، وبكتابك الذي ينزل عليك، وأنا على دينك، وعلى سنتك، وآمنت بربك، ورب كل شيء، وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام، فإن أدركتك؛ فبها ونعمت، وإن لم أدركك؛ فاشفع لي، ولا تنسني يوم القيامة، فإني من أمتك الأولين، وبايعتك قبل مجيئك، وأنا على ملتك، وملة أبيك إبراهيم عليه السّلام. ثم ختم الكتاب، ونقش عليه: لله الأمر من قبل ومن بعد، وكتب على عنوانه: إلى محمد بن عبد الله، نبي الله، ورسوله، خاتم النبيين، ورسول رب العالمين صلّى الله عليه وسلّم من تبّع الأول.

وكان من اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي بعث فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم ألف سنة، لا يزيد ولا ينقص. واختلف هل كان نبيا، أو ملكا صالحا، فقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كان تبع نبيا. وقال كعب: كان تبع ملكا من الملوك، وكان قومه كهانا، وكان معهم قوم من اليهود، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قربانا، ففعلوا، فتقبل قربان أهل الكتاب، فأسلم. وقالت عائشة-رضي الله عنها-: لا تسبّوا تبعا، فإنه كان رجلا صالحا. وقال كعب: ذم الله قومه، ولم يذمه، وضرب لقريش بهم مثلا لقربهم من دارهم، وعظمهم في نفوسهم. فلما أهلكهم الله تعالى ومن قبلهم؛ لأنهم كانوا مجرمين؛ كان من أجرم مع ضعف اليد، وقلة العدد أحرى بالهلاك.

وافتخر أهل اليمن بهذه الآية؛ إذ جعل قوم تبع خيرا من قريش. وقيل: سمي أولهم تبعا؛ لأنه اتبع قرن الشمس، وسافر في المشرق مع العساكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>