وقالوا: الاستثناء يرجع إلى قوله تعالى: {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ}. وهو قول النخعي، وشريح، وأصحاب الرأي، قالوا: بنفس القذف لا ترد شهادته ما لم يحد، قال الشافعي-رضي الله عنه-:
هو قبل أن يحد شرّ منه حين يحد؛ لأن الحدود كفارات، فكيف تردّونها في أحسن حاليه، وتقبلونها في شر حاليه؟! وذهب الشافعي إلى أنّ حد القذف يسقط بالتوبة، وقال: الاستثناء يرجع إلى الكل، (أي: إلى الجمل الثلاث المتضمنة للجلد، وردّ الشهادة، والتفسيق) وعامة العلماء على أنه لا يسقط الحد بالتوبة، إلا أن يعفو عنه المقذوف، فيسقط كالقصاص يسقط بالعفو، ولا يسقط بالتوبة. فإن قلت: إذا قبلت شهادته بعد التوبة فما معنى قوله تعالى: أبدا، قلت: معنى أبدا ما دام مصرا على القذف؛ لأن أبد كل إنسان مدته على ما يليق به، كما يقال:
شهادة الكافر لا تقبل أبدا، يراد بذلك ما دام على كفره، فإذا أسلم قبلت شهادته. انتهى.
{وَأَصْلَحُوا} أي: أعمالهم بالتدارك، ومنه: الاستسلام للحد، أو الاستحلال من المقذوف.
{فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ} أي: للقاذفين؛ إن هم تابوا، وأنابوا. {رَحِيمٌ:} بهم حيث وفقهم للتوبة ولإصلاح العمل بما ذكر، فبالتوبة ينتهي فسقهم، وتقبل شهادتهم، والله الموفق، والمعين، وبه أستعين.
الإعراب:{إِلاَّ:} أداة استثناء. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب على الاستثناء من الجملة الأخيرة، وهل هو متصل، أو منقطع؟ فيه خلاف، أو هو في محل جر بدلا من الضمير في لهم، وأجيز أن يكون مبتدأ، خبره الجملة الاسمية الآتية. {تابُوا:} ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. {مِنْ بَعْدِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (بعد) مضاف، و {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له، وجملة:{تابُوا..}. إلخ صلة الموصول لا محل لها، وجملة:{وَأَصْلَحُوا} مع المفعول المحذوف معطوفة عليها لا محل لها مثلها. {فَإِنَّ:} الفاء: حرف استئناف. (إن): حرف مشبه بالفعل.
{اللهَ:} اسمها. {غَفُورٌ رَحِيمٌ:} خبران ل: (إنّ)، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، أو هي في محل رفع خبر (الذين) على وجه مرّ ذكره، فتكون الفاء زائدة لتحسين اللفظ؛ ولأن الموصول يشبه الشرط في العموم، ويجب تقدير رابط للمبتدأ، أي: غفور لهم، رحيم بهم.
الشرح: سبب نزول هذه الآية هو ما رواه أبو داود عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن هلال بن أمية الواقفي-رضي الله عنه-وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، كما رأيت في الآية رقم [١١٨] من سورة (التوبة) قذف امرأته عند النبي صلّى الله عليه وسلّم بشريك بن سحماء البلوي، والسحماء أمه، سميت بذلك لشدة سوادها، وأبوه اسمه عبدة بن الجد العجلاني